Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/12/2009 G Issue 13587
الخميس 23 ذو الحجة 1430   العدد  13587
شيء من
وزارة المالية وكارثة جدة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

كثير من كتاب المقالات حملوا وزارة المالية جزءاً من مسؤولية كارثة جدة, ولا أعتقد أن هذه الوزارة بريئة من هذه المسؤولية. وأنا هنا لا أتهم الأشخاص ولكنني أتهم الأنظمة والقوانين التي أكل عليها الدهر وشرب ولم يمسها التطوير. لماذا الإصرار على هذه الأنظمة وكأنها أنظمة مقدسة لا يجوز المساس بها هو ما أجهله ويجهله كثيرون مثلي حتى الآن. القانون - أي قانون- عندما يصدر في البداية يكون دافع إصداره تلبية حاجات تنظيمية، أو رقابية، أو ضبطية. غير أن هذا القانون لا يمكن أن يكون صالحاً دائماً طالما أن الحياة تتغير وبالتالي فإن تغير القوانين تبعاً لتغير الحياة والمستجدات يكون أمراً ملحاً. وعندما تتكلس الأنظمة والقوانين، وتقاوم أي محاولة للتطوير أو التغيير، تصبح تلقائياً عقبة كأداء في طريق التنمية.

ولم أقابل مسؤولاً كبيراً، سواء ممن ما زال على رأس العمل، أو سبق له أن تولى مسؤولية قيادية، إلا وأجده يشتكي من أنظمتنا المالية؛ بل ويعتبرها سبباً رئيساً في قصور خدمات المنشأة التي يعمل بها. حتى أصبحت عبارة (عيّت المالية) من أكثر العبارات تداولاً بين القياديين الحكوميين ممن يكتنف القصور الخدمات التي تضطلع منشآتهم بتنفيذها. قد يكون البعض يبررون قصورهم وفشلهم بإلقاء تبعات فشلهم على الأنظمة المالية، وهذا صحيح أحياناً، غير أن هناك قياديين كباراً، حققوا من المنجزات على المستوى الإداري ما يشهد بكفاءتهم، ومع ذلك يوافقون على أن الأنظمة المالية المتبعة حدت كثيراً من تحقيق آمالهم. أن نرفض كل هذه الآراء، ونصر على أن أنظمتنا المالية جيدة، ومواكبة لطموحاتنا التنموية والخدمية، وأن ليس في الإمكان أفضل مما هو قائم، فهذا موقف لا يمكن قبوله، فلا يعقل أن تكون كل هذه الأصوات على خطأ.

نعم، استقرار الأنظمة وعدم تغيرها خلال فترات وجيزة أمر مطلوب، بل وضروري، لأن التغير السريع والفجائي للأنظمة يخلق من الإرباك ما يضر بالاستقرار بمعناه الواسع، وعلى وجه الخصوص الاستقرار الاقتصادي, غير أن بقاءها لمدد طويلة دون تغييرات، ودون أن تواكب المتغيرات التي تكتنف عالم اليوم فيه كثير من العنت والإصرار غير المبرر، مما يؤدي في المحصلة إلى تخلف المجتمعات، خاصة وأن المال اليوم هو عصب الحياة.

كارثة جدة لا بد وأن نتعلم منها كثيراً، وأن نعي الدروس التي جعلتنا نصل إلى هذا المستوى الذي لا يتناسب إطلاقاً مع إمكاناتنا وكذلك طموحاتنا. ربما أن الفساد هو العامل الأهم لما حدث في جدة, غير أن تكلس الأنظمة المالية هو عامل رئيس آخر يجب أن نضعه أمام أعيننا، ولا ينسينا نقد (الفساد)، نقد -كذلك- الأنظمة والإجراءات المالية التي تتعامل بها الجهات المالية مع منشآت الحكومة الخدمية؛ بل لن أجد قلمي يذهب بعيداً عندما أقول إن الأنظمة المالية المترهلة، وغياب العمل المؤسساتي المترابط، فضلاً عن (تخلف) الرقابة المالية بنوعيها (ما قبل الصرف وما بعد الصرف)، ساهمت بشكل أو بآخر في أن يتجذر هذا الفساد، لنجد أنفسنا (فجأة) في عين العاصفة.

لذلك لابد من إعادة النظر في أنظمة الصرف، وكذلك أنظمة الرقابة المالية، فضلاً عن نظام المشتريات الحكومية (العتيق) الذي يجب أن نحوله من الواقع إلى سلة المهملات، ونستعيض عنه بأنظمة تواكب اليوم ومتغيراته. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد