Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/12/2009 G Issue 13587
الخميس 23 ذو الحجة 1430   العدد  13587
المخرج الأمريكي من أفغانستان (3)
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

أشرنا في المقالين السابقين إلى الطبيعة المعقدة للمجتمع الأفغاني الجغرافية والإنسانية والدينية الأمر الذي يجعل منها عاملا مقاوما للاحتلال المباشر وغير المباشر خصوصا من خلال القيادات والزعامات. فالغرب كسب ود بعض القيادات والزعامات الأفغانية لكنه خسر في المقابل تأييد وثقة الأغلبية الساحقة في قاعدة الهرم الأفغاني.

صحيح أن السياسة الخارجية الأمريكية نجحت في العراق بعد ست سنوات من الصراع العسكري الدموي المرير مع المقاومة العراقية بشقيها، التابع لإيران، والموالي لتنظيم القاعدة. لكن في المقابل تعثرت السياسة الخارجية الأمريكية في أفغانستان لأكثر من سبع سنوات عجاف لم تحقق فيها واشنطن والعالم الغربي برمته أي تقدم عسكري أو سياسي أو أمني ملموس ناهيكم عن أن يكون محسوسا بمعايير التقييم العلمية الكمية أو النوعية.

الخطأ السياسي الأمريكي في أفغانستان كان ولا يزال يتمحور حول تركيز واشنطن على وضع حكومة أفغانية موالية للغرب بشخصيات سياسية أفغانية غير محبوبة على المستوى الشعبي الأفغاني. كما وحرصت واشنطن على شراء بعض القيادات السياسية والعسكرية على مستوى القمم الأفغانية مع العزوف التام عن شراء أو استمالة قيادات الطبقتين الوسطى والدنيا التي تمثل المصدر الرئيسي لعناصر المقاومة الأفغانية.

الخطأ هذا وقعت فيه الكثير من دول العالم في القرن الماضي فالقيادات السياسية العليا عادة ما تلعب على الحبلين الخارجي والداخلي، وبإمكانها أن تضع قناعين أحدهما للخارج والآخر للداخل، وبمقدورها أن تتعامل بمنطقين مختلفين وبأسلوبين متباينين خصوصا في حال التعامل مع الجماعة التابعة لها. كما وأن الدعم المادي للقيادات والزعامات الأفغانية العليا لا يرى طريقه للطبقات الأفغانية الدنيا الأمر الذي يفقدها نفوذها على تلك المستويات الهامة.

المخرج الأمريكي - الغربي- من أفغانستان يتطلب أن يعمل الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة على استمالة الشعب الأفغاني لا القيادات والزعامات الأفغانية. كيف يمكن أن يتحقق هذا؟ من خلال تفعيل سياسات التنمية والتطوير للبنية التحتية الأفغانية وللاقتصاد الأفغاني وإيجاد فرص وظيفية للشعب الأفغاني تعينهم على متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة وتوفر لهم حاجتهم من مطالب تحقيق الذات والحفاظ على وضع اقتصادي واجتماعي مقبول ومقنع.

في ذات الوقت يجب أن يخوض الغرب حرباً حقيقية شاملة (وليس جزئية أو محدودة) على طالبان أفغانستان والباكستان معا في آن واحد وبدعم حقيقي وجهود حقيقية من الحكومة الباكستانية ومن الدول الأخرى المجاورة لأفغانستان. فالدخول في الحرب أسهل بكثير من الخروج منها خصوصا إذا ما كان العدو لديه الإرادة والعزيمة والمصادر لاستمرار المقاومة الشرسة. كما وثبت أن التردد الغربي أكثر خطورة على الوضع في أفغانستان لصالح حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

الحقيقة التي يجب التأكيد عليها هنا في هذا المقال تشير بالقطع إلى أن الفشل الأمريكي الغربي في أفغانستان يعني بداية النهاية للنفوذ وللوجود الغربي في المنطقة برمتها من أفغانستان شرقا وحتى المغرب العربي غربا، ومن اليمن جنوبا إلى جميع ربوع بلاد الشام شمالا. فالخسارة الغربية في أفغانستان حتما ستشابه الخسارة السوفيتية في ذات البلد الذي أعلن عن بداية انهيار الاتحاد السوفيتي منذ عام 1979م.

انهزام الغرب عسكريا والخسارة السياسية الغربية في أفغانستان تعني بكل بساطة انتصاراً إقليمياً وعالمياً لتنظيم القاعدة بزعامة ابن لادن والظواهري، وتعني انتصاراً كلياً وشاملاً للتطرف والإرهاب والتشدد والغلو في العالم كله، وتعني انتصارا لصراع الحضارات والثقافات والأديان على مستوى العالم كله. عطفا على ذلك وبناء عليه لا يمكن للمجتمعات الغربية أن تحصن أنفسها من اختراقات جيوش التطرف والإرهاب القادمة إليها لا محالة في حال وقوع الهزيمة.

مشكلة الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة تأثرهم جميعا بالرأي العام الشعبي الذي لا يدرك خطورة الوضع السياسي والأمني في أفغانستان. أضف إلى ذلك أن خوض حرب محدودة في أفغانستان لا يمكن أن يحقق نصرا حتى وإن بقيت القوات الغربية في أفغانستان لقرون طويلة من الزمن. المنتصر هنا كما يؤكد التاريخ هي المقاومة الأفغانية الطالبانية وحليفتها القاعدية.

www.almantiq.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد