Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/12/2009 G Issue 13587
الخميس 23 ذو الحجة 1430   العدد  13587
متطلبات الكتابة وشروط الإجازة
د. فوزية عبدالله أبو خالد

 

حين يتكرم رئيس التحرير ويقدر ضرورة استبعاد مقال (سلمت يده) على حد قول الشاعر أحمد شوقي, فإنه يسقط في يدي (الملقوفة) التي عرضتني برعونتها إلى هذا الموقف الذي علي فيه توفير مقال بديل في وقت ضيق من أرض أو سماء. ولأني كمعظم كتاب الرأي لا أكتب لتسلية القراء على وجه التحديد،

كما يفترض بنا في نفس الوقت أن لا نكتب لغمهم بل يفترض أن نكتب بوعي إنساني أمين بناء على مبادئ نبيلة بما ينفع الناس, وفيما يهمهم من قضايا الحياة فإنني أحمل هذا التكليف محمل الجد على ما ينقصني من مهارة الموازنة ومع ذلك ليس لنا إلا المضي على طرق مأهولة بالأمل. ربما هذا على الأقل من وجهة رومانسية هو ما نقنع أنفسنا به نحن معشر الكتاب أو معظمهم لنستطيع تصبير النفس على أتون هذه الهواية المهلكة أو المهنة غير الآمنة (المسماة الكتابة). وهي بالتجربة وحسب ما كتب ماركيز وعلي الدميني ومارجريت أتوود وميشيل كونينجام وفارجينيا وولف من الهوايات والمهن التي قد تتطلب أحيانا مهارة المشي على حافة أسلاك عارية ومبتلة على أن لا تسقط في لزوجة الكلام ولا يستخف بك كريشة لا وزن لها إلا في عالم الشعر أو الألوان أو عالم الطيران.

وبناء على ما تقدم كثيراً ما يعتريني عند محاولة التوصل إلى مقال بديل لذلك المستبعد نوع من حالة الحنين لأدب اللامعقول الذي كان ظاهرة عالمية في ثقافة السبعينات الميلادية من صموييل بكيت إلى توفيق الحكيم ومشعل السديري. وحينها أشعر أنني أريد أن أملأ مساحة المقال ببعض الجمل السريالية التي قد يكون لها معنى إلا معنى محاولة الفهم لموضوع تفوق فيه خبرات رؤساء التحرير وقدرتهم على التريث ووزن الأمور بميزان التعقل قدرة جميع الكتاب مجتمعين. فتفاجأني عبارات هامة وتصير تحتل الفراغ من حيث لم أطللب منها مثل:

(حدارجة مدارجة ياكل عين سارجة) ومثل (سكتم بكتم..كم..كم..كم.. ياكل يشرب هم..هم.. يحمد.. يشكر.. يم... يم.. سم..سم.. سم) وكذلك مثل نغمة (يوميات أم حديجان في ليالي رمضان, يوميات أم حديجان في ليالي رمضان انتظروها ليليا) (يا طالع الشجرة جبلي معك بقرة) (ياليتني اثنين تاكسي وإلا كده كده يا تريله) وكذلك مثل (المرأة الحديدية تتحول مرة إلى نسر أمريكي ومرة إلى حية).

تخيم على مخيلتي أخيرا مقولة غالية عاقلة تدفعني للخروج من حالة اللامعقول وهي تقول: (اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) واجعل هذا المقال البديل يخرج بسلام من مكتب رئيس التحرير حفظه الله... اللهم آمين.

سؤال لمجرد التفلسف:

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد تذكرت هذا السؤال مما أكل عليه الزمن وشرب، حيث جرت ولا زالت تجري محاولة إيجاد إجابة له عبر أكثر من ألفي عام..

ما هي مسؤولية المثقف تجاه المطروح من القضايا؟

- سؤال أمنع عن الإجابة عليه دون ذكر الأسباب ولكم حرية التخيل.

ما هي شروط بناء وعي ثقافي يستحضر إبداعات الماضي لربطها بالواقع المعاش وصولاً لمستقبل واعد؟

- سؤال أقل فلسفة, سأحاول البحث في الإجابة عنه وقد لا أنجح على أية حال..

شروط غاية في البساطة وغاية في الشراسة في آن وباستعمال خبرتي الأنثوية أقول إنها كشروط الرغيف؟ هل تستطيع أن تفكر بما هو أكثر بساطة وشراسة في نفس الوقت من الحصول على تلك الخلطة السحرية لرغيف الخبز الذي نتناوله يوميا وليس من غنى عنه للكائن الحي اليوم دون أن نفكر في الرحلة المستحيلة التي تمر بها قصيدة الرغيف قبل أن تقطفها أفواهنا. من طبيعة التربة إلى نوع المحراث إلى عرق الفلاح إلى دورة المطر إلى استدارة الشمس إلى درجة الرطوبة إلى رائحة السماد إلى تكور البذرة إلى قامة السنبلة إلى تحولات الحنطة واختمار العجين إلى توهج النار إلى مدة المائدة على خصف الحصير أو على مرمر القصور. ولو اختلت نغمة واحدة وحسب من أوزان تلك البحور الشعرية المنسابة الجامحة لقصيدة الخبز تحل المجاعات أو الحروب. أما العلاقة بين شروط بناء الوعي الثقافي الذي لا يتنكر لإبداعات الماضي ولا ينكر على أجيال الحاضر والمستقبل شهوة الابتكار وبين رحلة رغيف الخبز فهو تلك الطاقة الإنسانية التي يتميز ويتفوق بها الإنسان على ما عداه من المخلوقات وهي طاقة العقل والخيال معاً. فطاقة العقل والقدرة على التخيل هي التي يمكن أن تحرر المجتمعات من التعصب أو التحجر أو الظن بأن ليس بالإمكان أبدع مما كان.

وهي في اعتقادي التي تجعل المجتمعات قادرة على أن تنتخب من عناصر الماضي ما يشعل الخيال ويوثب الإرادة.

هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد