Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/12/2009 G Issue 13587
الخميس 23 ذو الحجة 1430   العدد  13587
الملك عبد الله ينتصر لحقوق المواطنين
سهم بن ضاوي الدعجاني

 

القرار التاريخي الذي نبع من إحساس خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمعاناة إخواننا المواطنين في جدة المفجوعة بكارثة السيول..

.. جاء مترجماً لهمة ملك وطموح قائد إصلاحي شامل، وبتأمل معمار ذاك القرار المفصل نجد هذه السلسلة المضيئة التي لم يعتد عليها مشهدنا المحلي منذ زمن طويل، فقد جاءت بمصطلحات قانونية قد قرأها بعض المواطنين هنا أو هناك في كتب الأنظمة أو المجلات الحكومية المتخصصة، إلا أن تلك المصطلحات عبر ذلك القرار شكلت بادرة وعي حقوقي جديد ومعاصر لعقلية المواطن السعودي: (تشكيل لجنة.. تحقيق.. عاجلة.. تقصي الحقائق.. تحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة. حصر شهداء الغرق والمصابين والخسائر في الممتلكات، الالتزام التام بالتعاون مع اللجنة وتسهيل مهماتها، تقديم جميع ما تحتاج إليه من معلومات وبيانات ووثائق.. تحديد المسؤولية فيه والمسئولين عنه - جهات وأشخاصاً - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم، والرفع فوراً عن أي جهة حكومية لا تلتزم بذلك، استدعاء أي شخص أو مسئول كائناً من كان بطلب إفادته، أو مساءلته).

وهنا وجد المتابعون والمحللون لطقس ولادة هذا القرار في حياة المجتمع السعودي، أنه انطلق من روح الأنظمة التي تنظم عمل الوزارات والمؤسسات السعودية، ويتوافق تماماً مع النهج الإداري السعودي الذي سار عليه خادم الحرمين الشريفين والذي اتصف -بشهادة المنصفين- بالالتزام التام بواجب أمانة التكليف ومسؤولية رعاية مصالح الوطن والمواطن التي عاهد الله تعالى على القيام بها بعد مبايعة المواطنين له -حفظه الله- ملكاً للبلاد، والذي لمسه القريب والبعيد تجاه الدين ثم الوطن والمواطن وكل مقيم على هذه الأرض المباركة، ولهذا فقد جاءت معالجة المليك لهذه الفاجعة استجابة لواجبه الشرعي وضميره الأخلاقي والتزامه الشخصي الذي عرف عنه بالحفاظ على مصالح المواطنين ومقدرات الوطن العامة، ولاشك أن خادم الحرمين الشريفين، الذي قاد مشروعاً إصلاحياً متطوراً متعدد الأهداف والمقاصد على كافة المستويات في المملكة، يهتم بالإنسان المواطن والمقيم على حد سواء، بوصفه حجر الزاوية في مشروعه التحديثي الذي يؤكد من خلاله رعاه الله على ضرورة رعاية المواطن، خاصة وأن موافقة جلالته قد صدرت قبل فترة على برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان، الذي يخول هيئة حقوق الإنسان في المملكة بوضع البرامج والسياسات للرقي والتوعية بحقوق الإنسان، وما هذا القرار التاريخي في محاربة الفساد إلا درجة مهمة في الصعود نحو تعزيز الثقافة الحقوقية في حياة المواطنين السعوديين أمام من يقصر فيها أو يتلاعب بها في كافة الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة.

وبشكل آخر إن هذا القرار الجريء والسريع هو -في الحقيقة- شهادة ميلاد لعهد جديد في مواجهة تاريخية غير مسبوقة مع الفساد المالي والإداري على كافة الأصعدة من أجل الانتصار للضحايا في جدة أو في غيرها، بل إنه إعلان جديد من هذا الملك الصالح للحرب والتشهير بالفساد وفاعله كائنا من كان.

وأبعد من ذلك كله، إن هذا القرار كفيل بفتح الباب أمام تأسيس ثقافة المحاسبة والمساءلة الصارمة لكل مقصر في حق الوطن والمواطن، فهو -باختصار- قانون بحد ذاته ومرجع نظامي لأنه صدر من ولي الأمر.

ولكن التحدي الحقيقي أمام هذه اللجنة التي أعتبرها شخصيا أم اللجان في حربنا الوطنية على الفساد بكافة صوره وأشكاله، إن التحدي الحقيقي أمام تلك اللجنة أن تبادر مشكورة بوضع خطة تنفيذية لترجمة ما نص عليه القرار التاريخي، بل والإعلان على وجه السرعة عن جدول زمني لذلك، وإطلاق موقع الكتروني على الانترنت للتواصل مع كافة شرائح المجتمع في مدينة جدة للإسهام بشكل سريع في بناء قاعدة معلومات ستصبح مع الوقت مرجعاً مهماً في مواجهة الفساد الذي تسبب في حصول هذه الفاجعة، وليعلم أعضاء هذه اللجنة الموقرة أنهم رواد الإصلاح الوطني في العهد الجديد، وأن نجاحهم فاتحة الكتاب للمشروع الإصلاحي لخادم الحرمين الشريفين، والأمل معقود بعد الله في رئيس اللجنة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي يشهد له تاريخه الإداري بنجاحات عديدة ومميزة وهو -أيضا- بشهادة شعره لا يرضى إلا بالمركز الأول.

وأخيراً..

إن المواطنين في جدة وفي غيرها لن يرضوا إلا بنجاح هذه اللجنة بدرجة امتياز في مهمتها المقدسة أولى جولاتنا المباركة في الحرب على الفساد، وعندما يصبحوا -بحول الله- في المستقبل القريب حكاية نجاح وطني في تجفيف منابع الفساد في جدة المفجوعة ببعض أبنائها الذين خانوا الأمانة وفرطوا بثقة القيادة، يحق لنا أن نقول حينئذ للعالم المتحضر هكذا نجح السعوديون في حربهم على الفساد مثل ما نجحوا في حربهم على الإرهاب، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة مضروبة في مجتمع يلتزم بدينه ويحترم مؤسساته الحكومية والمدنية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد