Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/10/2009 G Issue 13519
السبت 14 شوال 1430   العدد  13519
دور (البنوك المتحركة) في تمويل الإرهاب
فضل بن سعد البوعينين

 

لست مع الرأي القائل؛ بأن التسجيل المحفوظ في شريحة الجوال الذي بثته قناة (العربية) ويظهر فيه سعيد الشهري نائب قائد تنظيم القاعدة في اليمن موجهاً رسالة يطلب فيها الدعم المالي؛ هدفه الرئيس الحث على الإنفاق ودفع التبرعات. فالقاعدة لديها من وسائل جمع التبرعات الفاعلة ما يغنيها عن استخدام هذا الأسلوب الذي يبدو أنها اعتادت على استخدامه لأسباب أكثر أهمية من مجرد الحث على التبرع.

ظهور أحد المطلوبين في الرسالة المصورة إلى جانب سعيد الشهري؛ الذي عَرّفَهُ مراسل (العربية) خالد المطرفي بأنه (محمد عبدالكريم الغزالي)؛ يُرجح فرضية أن هدف الرسالة المصورة هو التعريف بشخصية من يحق له استلام المبالغ التي يفترض أن تكون موجودة لدى أشخاص معروفين سلفاً. فالقاعدة لن تُغامر في نشر صورة جامع التبرعات إلى جوار نائب تنظيم القاعدة، على نطاق واسع، وكأنها تكشف سره لرجال الأمن. الرسالة المصورة أشبه ما تكون بصورة العميل التعريفية التي تُستخدم لاستخراج الأموال من الحسابات المصرفية الإلكترونية في سويسرا والتي تعتمد على التعرف على حدقة العين، أو نبرة الصوت، أو البصمة في بعض الأحيان. إذاً يمكن القول إن الأشخاص المستهدفين بالرسالة إما أن يكونوا بعض المليئين المتعاطفين مع القاعدة، ويفترض أن يكونوا محدودي العدد، أو جامعي التبرعات من الداعمين للقاعدة محلياً، أو ما يمكن أن نطلق عليهم (البنوك المتحركة)، الذين يقومون بجمع التبرعات من المواطنين. محمد الغزالي ربما كان وسيط الاستلام والتحويل، والرسالة المصورة التي يظهر فيها الغزالي إلى جانب الشهري هي بطاقة التعريف التي تؤكد لجامعي التبرعات (البنوك المتحركة) شخصية المستلم، وأنه المفوض الرسمي من تنظيم (القاعدة) لاستلام المبالغ المجتمعة لديهم. لجامعي التبرعات (البنوك المتحركة) دور فاعل في دعم وتمويل الإرهاب، وعليهم يقع العبء الأكبر في توفير أموال الدعم من المواطنين.

استخدام أسلوب جمع التبرعات النقدية ليس بالأمر الجديد على القاعدة، بل هو أسلوبها المفضل الأكثر إدراراً للمال، فثقافة التبادلات النقدية المسيطرة على السوق السعودية، وتعاظم الجانب الإنساني في شخصية المواطن المتدين تجعل من عملية جمع الأموال النقدية مباشرة من المواطنين أمراً غاية في السهولة. استغلال داعمي القاعدة للجوانب الإنسانية وطلب التبرعات المباشرة من المواطنين بحجة صرفها في أوجه الخير، أو قبضها زكوات المحسنين ممن يعتمدون على الغير في إيصالها مستحقيها، تجعلهم يسيطرون على كم لا يستهان به من أموال المحسنين التي تجد طريقها بسهولة، من خلال الوسطاء، لناشطي تنظيم القاعدة.

في شهر رمضان الماضي، ألقت السلطات الأمنية القبض على إمام مسجد اختلس مليون ريال من تبرعات (إفطار صائم) وحوّلها لحسابه الخاص بعد أن جمع تبرعات تزيد على مليون ريال وأودعها في حسابه الخاص معتمدا على كوبونات مزورة لجمعية البر التي يعمل بها. يبدو أن إمام المسجد استغل الأموال لمصلحته الخاصة ليس إلا. إحدى سيدات الأعمال أودعت في حساب المزور 700 ألف ريال عبارة عن تبرع منها لتفطير الصائمين!. مثل هذا الكم الهائل من الأموال يمكن لوكلاء القاعدة في الداخل (البنوك المتنقلة) جمعه وتجييره لمصلحة العمليات الإرهابية. بعضهم يعتقد أن إخراج المال بنية الإحسان كافية لثبات الأجر عند الله، دون التأكد من مصارفها الحقيقية، أو موثوقية من دُفعت له وضمان وصولها مستحقيها، وهو أمر لا يمكن القبول به، كما أن تبعات إنفاق المحسنين من خلال الوسطاء، أو جهات غير معروفة وغير مصرح لها، قد تعود على المنفقين بالويل والثبور، في الدنيا والآخرة، بدلاً من الأجر والمثوبة.

إنفاق المحسنين من خلال الوسطاء، والتبرعات النقدية التي تدفع لأشخاص غير مصرح لهم رسمياً بجمع التبرعات هو الأسلوب الذي تمعن القاعدة في استغلاله، وتجند له أشخاصاً بعيدين عن إثارة الشبهات، قادرين على استدرار عطف المحسنين، وحثهم على الإنفاق في أوجه الخير، ومن ثم جمع ما أنفقوا وتحويله إلى الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج.

يقسم تنظيم القاعدة عملية جمع الأموال النقدية إلى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة الجمع التي يقوم بها الوكلاء في السعودية وعادة ما يكونون من المؤثرين في المجتمع، والثانية تسليمها للوسطاء المفوضين من قادة التنظيم وهم غير معروفين إلا للقلة، والثالثة نقلها عبر الحدود إلى الخارج من خلال جماعات التهريب.

ومن وجهة نظر خاصة أعتقد أن (محمد الغزالي) ما هو إلا الوسيط المفوض من قادة تنظيم القاعدة لاستلام الأموال المجمعة، وهو يمثل المرحلة الثانية من مراحل جمع التبرعات، وربما كان المسؤول أيضاً عن نقلها وتهريبها إلى الخارج، مع مجموعة الدعم، وبذلك يكون مسؤولاً عن تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من مراحل جمع التبرعات النقدية وتهريبها.

وزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي قامتا بسن الأنظمة والقوانين المنظمة لعمليات التبرع بالأموال حماية للمتبرعين أنفسهم، وصيانة لأموال الزكوات والتبرعات من أن تُستغل في غير ما أنفقت له، وحفاظا على أمن الوطن والمواطنين. جميع المصارف السعودية تحتفظ بحسابات خاصة للتبرعات العامة، الزكوات، بناء المساجد، كفالة الأيتام، إغاثة الأقليات الإسلامية والمنكوبين، تحفيظ القرآن، رعاية السجناء وجميع أوجه الخير المتاحة، إضافة إلى انتشار جمعيات البر الخيرية، وجمعية رعاية مرضى السرطان، الكلى، والجمعيات المتخصصة الأخرى التي يمكن أن تستوعب جميع أموال المحسنين بطريقة نظامية وموثوقة، وتحت رقابة صارمة من الجهات الرسمية، بل إن المصارف السعودية أتاحت خاصية التبرع من خلال الصرافات الآلية، وشبكة الإنترنت بكل يسر وسهولة. التبرع لتلك الجهات الخيرية الموثوقة، والمُجازة من قِبل السلطات الرسمية، خير من التبرع لأطراف غير معروفة، أو وسطاء يقومون باستغلال أموال المحسنين لتنفيذ عمليات إرهابية تراق فيها دماء المسلمين الطاهرة، وتدمر فيها الممتلكات، وتوجه لمحاربة الله ورسوله. نجحت وزارة الداخلية بكفاءة في تجفيف منابع التمويل، وكشف حيل المجرمين، والإعلان عنها تنبيها للمواطنين، إلا أن التدفقات النقدية التي يدفعها بعض المحسنين إلى الوسطاء، والأفراد غير المصرح لهم ما زالت تشكل مصدرا رئيسا من مصادر تمويل القاعدة، وهو المصدر الذي يتحمل وِزره المنفقون المخالفون للأنظمة والقوانين الرسمية.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد