Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/09/2009 G Issue 13503
الخميس 27 رمضان 1430   العدد  13503
مكافحة القرصنة البيولوجية
سيلفيا ريبيرو - كاثي جو ويتر

 

أوتاوا - في أبريل - نيسان 1999 حصل لاري بروكتور، وهو مواطن أمريكي وصاحب شركة بذور، حصل على براءة اختراع من الهيئة الأمريكية للبراءات والعلامات التجارية (USPTO)، بعد أن زعم أنه توصل إلى إنتاج صنف جديد من البقول المكسيكية الصفراء.. وبموجب هذه البراءة حصل بروكتور على الحقوق الاحتكارية الكلية الخاصة بمجموعة البقول التي أطلق عليها (إينولا).. والواقع أن هذا القرار يُعَد واحداً من الأمثلة المشينة الفاضحة للقرصنة البيولوجية في تاريخ أنظمة الملكية الفكرية.

إن الحبوب التي حصل بروكتور على براءة اختراعها هي في الواقع مجموعة منوعة أنتجها المزارعون في المكسيك في الأساس، وكانت متداولة بين عامة الناس طيلة قرون من الزمان، حيث تستهلك في مختلف أنحاء المكسيك، كما يستهلكها المكسيكيون والأمريكيون من أصل مكسيكي في الولايات المتحدة، حيث تعرف باسم (مايوكوبا)، أو (كناريو)، أو (بيروانو).

ورغم أن مجموعة البقول هذه كانت موجودة بين مجموعات البذور المتاحة لعامة الناس، إلا أن الأمر استغرق عشرة أعوام، ومئات الآلاف من الدولارات، واحتجاجات حاشدة من قِبَل المزارعين والمجتمع المدني، وتدخل وكالات دولية، وخمسة قرارات قانونية متعاقبة قبل أن تقرر الهيئة الأمريكية للبراءات والعلامات التجارية أخيراً إلغاء البراءة في يوليو - تموز 2009.. وحتى ذلك الوقت كان بروكتور قد مارس احتكاراً كاملاً لكافة عمليات إنتاج وتوزيع وتسويق مجموعة الحبوب المعنية لمدة تجاوزت نصف عمر البراءة.

بدأت القصة في عام 1994 حين اشترى بروكتور كيساً من حبوب البقول في المكسيك.. ثم زرعها وانتقى بذوراً من نفس النبتات، ثم زرعها مرة أخرى، وكرر هذا الإجراء مرتين أُخريين.. وفي أواخر عام 1996، وبعد أقل من عامين، زعم أنه نجح في اختراع مجموعة (فريدة) من الحبوب وتقدم بطلب للحصول على البراءة.

وبمجرد حصوله على البراءة أقام بروكتور دعوى قضائية ضد اثنين من مستوردي الحبوب الصفراء، مطالباً إياهما بدفع حقوق المخترع.. ورغم أن المستوردين كانوا على علم تام بأن اختراع بروكتور كان سخيفاً (لأنهم كانوا يستوردون هذا النوع من البقول من المكسيك منذ سنوات)، فلم يكن لديهم خيار سوى قبول شرعية البراءة، الأمر الذي أدى إلى خسارة 22 ألف مزارع مكسيكي وأسرهم لما يقرب من 90% من دخولهم من التصدير في العام الأول فقط.

وفي الوقت نفسه قام بروكتور في عام 2001، مستغلاً الاستجابة البطيئة من الهيئة الأمريكية للبراءات والعلامات التجارية، برفع دعاوى قضائية ضد 16 شركة بذور صغيرة في كولورادو لانتهاكها حقوق البراءة.

وفي شهر ديسمبر - كانون الأول 2003 فقط أعلنت الهيئة الأمريكية للبراءات والعلامات التجارية رفضها الأول (غير النهائي) للبراءة.. فاستأنف بروكتور القرار وأصدرت الهيئة رفضها النهائي للبراءة في أبريل - نيسان 2005.. ولكن لم تغلق قضية حبوب الإينولا عند ذلك الحد.. فقد تقدم بروكتور بطلب بمواصلة فحص البراءة، حيث قدم مزاعم براءة إضافية، بل لقد عمد إلى تغيير فريق المحامين المشتغلين بالقضية عدة مرات (الأمر الذي سمح بالمزيد من التعطيل البيروقراطي).. وفي الإجمال رُفِضَت البراءة واستؤنِف قرار الرفض أربع مرات في غضون عشرة أعوام، إلى أن رفضته محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة في هذا الصيف للمرة الخامسة.

لقد تمكن مالك براءة واحد من تعطيل سوق البقول في الولايات المتحدة والمكسيك لأكثر من عشرة أعوام.. إذ لم يتوقف المستوردون عن استيراد الحبوب الصفراء فحسب، بل لقد توقفوا عن استيراد غيرها من البقول المكسيكية خشية التعرض للدعاوى القضائية.. ورغم إلغاء البراءة في النهاية، فإن قضية الإينولا توضح لنا كيف يعمل نظام الملكية الفكرية على تيسير احتكار الموارد العامة والجماعية، وكيف يفضل هؤلاء القادرين على تحمل أتعاب المحامين الباهظة.. لقد كانت براءة الإينولا خاطئة منذ البداية، ورغم الجهود النشطة التي بذلتها المؤسسات الدولية والحكومات ومنظمات المجتمع المدني فقد ظلت سارية طيلة نصف عمرها.

قد يكون من المغري أن نعتبر براءة الإينولا انحرافاً عن القواعد المعمول بها، ولكن هناك المئات من الأمثلة الشبيهة لهذه القرصنة البيولوجية.. فالبقول المكسيكية، وأرز بسمتي الطويل الحبة من جنوب آسيا، والكينوا البوليفية، والآياهواسكا الأمازونية، والحمص الهندي، وبقول النونا من بيرو، والماكا من الإنديز - كل هذه المحاصيل وقعت ضحية لمطالبات الملكية الفكرية المفترسة النهابة.

إن الجدال الذي أثير حول قضية الإينولا يشكل مثالاً صارخاً للمخاطر المترتبة على محاولات إخضاع الحياة لبراءات الاختراع، والقدرة التي تتمتع بها البراءات والتي تمكنها من منع الواردات الزراعية، وعرقلة أو تدمير أسواق التصدير في البلدان النامية، واختطاف المحاصيل الغذائية الأساسية التي ظلت تشكل تراثاً ثقافياً لآلاف السنين، وسلب المعرفة الجماعية، وتهديد الأمن الغذائي.

إن قضية الإينولا تؤكد لنا أن كون المرء على حق لا يكفي: فصغار المزارعين، والشعوب الأصلية، والفقراء لا يسعهم أن يتحملوا عقداً كاملاً من الزمان من الدعاوى القضائية والاحتكار.. ولا شك أن المؤسسات الدولية وبلدان العالم في جنوب الكرة الأرضية لديها من الأهداف ما هو أكثر إلحاحاً من أن يسمح لها بإنفاق مواردها لمقاضاة الشركات الجشعة.. ولقد حان الوقت الآن لطرح التساؤلات والتشكيك في شرعية نظام الملكية الفكرية الذي يميز الملكية الاحتكارية ويفضلها على الصالح العام.

خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد