عجيب أمر الشباب في هذا الزمان، شكاوى متعددة من البطالة تمتلئ بها صفحات الصحف وبرامج الإعلام وتطالعنا بها مختلف المجالات ونسمع عنها في المنتديات والحوارات، بينما الواقع المرئي والملموس من حولنا ينطق بغير ذلك من قبل الشباب.
فالسيارات التي لديهم فخمة، والمطاعم التي يترددون عليها معروفة بأسعارها التي لا تتناسب مع العاطلين، والمقاهي التي يحجزون فيها مواقعهم أو ما يطلقون عليها (كوفي شوب) تشهد بغير ما يدعيه الشباب من بطالة، والمكاتب المنتشرة بجلسات الانترنت تزدحم أيضاً بفئات من الشباب يقضون جل وقتهم يتجولون بين المواقع ما صلح منهم وما أساء.
أليست تلك الأمور وغيرها تثير العجب بل والتعجب؟ وألا يزداد التعجب حدة وعمقاً حينما نقف على حقيقة الأعداد الهائلة من الشباب الذين يقضون وقتهم خارج الوطن بدعاوى السياحة أو إجازات الصيف؟
إن مثل هذه الوقائع التي تشهدها ساحة الشباب في وطننا بل وفي خليجنا العربي تثير علامات التعجب، فليس هذا الواقع هو هروب من تأثيرات البطالة أو هو انعكاس لها بل هو في حاجة إلى نظرة متأنية تكشف الأسباب وتفتش عن هذه الظواهر، وتتبين دور الأسرة فيها ومسؤولياتها إزاء ما يحدث، فليس تلبية حاجات الأبناء بمثل تلك الصور المبالغ فيها هي العلاج الناجع لمشكلاتهم أو هي الوسيلة المخففة لمعاناتهم، وليست هذه الصور التي نشاهدها تتوقف مخاطرها عند الأسرة التي يجب عليها أن تتكفل بالاستمرار في توفير تلك الظروف وبنفس المستوى بل إن الأمر إذا ما تعمقنا فيه هو جد خطير.
إذ كيف لأسرة أن تستمر في هذا الوضع مع كافة أبنائها إذا ادعوا أنهم يعانون من البطالة، أو يشتكون من عدم وجود الوظيفة؟
وما مصير أولئك الشباب إذا توقف عنهم الدعم الأسري لسبب أو لآخر؟ كيف يوفرون هذه السيارات الفخمة وكيف يرتادون (الكوفي شوب)، وأنى لهم بالسفر خارج الوطن ليتواصل معهم وبهم تضييع الوقت فيما لا يجدي ولا يفيد؟ أليس الأمر محيراً ويحتاج إلى إعادة نظر وإلى وقفة متأنية للعلاج قبل أن تستفحل الأمور داخل الأسرة وتتفشى آثارها في المجتمع.
إن شبابنا في حاجة إلى من يوقظ بعضهم من السبات ليعرف قيمة الوقت الضائع، ومجتمعنا في حاجة ماسة ليدرك - وبحق - أن توجيه الشباب نحو العطاء ونحو العمل المنتج هو واجب حياتي ووطني، وأن تحميل الشباب مسؤولياتهم، والوقوف بهم على الطريق الصحيح، وإتاحة الفرصة أمامهم لعمل هو من الواجبات الضرورية لبناء الوطن والمواطن.
شبابنا في حاجة إلى من يعيد إليهم التفاؤل ويبني في نفوسهم الحافز، وينمي لديهم الانتماء، ومؤسساتنا التعليمية والثقافية والإعلامية إلى جانب الأسرة من واجباتهم تكثيف العمل مع الشباب توعية وتثقيفاً وتوجيهاً من أجل مستقبل أفضل لهم وواقع مفيد لهم ولوطنهم، حتى يزول التناقض الذي تزداد مظاهره المشاهدة يوماً بعد يوم، وحتى نعيد للشباب قيمته وأهميته في مسيرة البناء والتحديث والتطوير.