التصورات التي يرسمها الإنسان تأتي من واقع رؤية ليس لها أي إسناد، مجرد آثار رجعية أو الخبرة الحياتية دفعت بالتفوه بإبداء الرأي أو المقولة من عدة أطراف، وحياة الإنسان تتمشى بمسايرة الوقت والزمن، التسابق لأجل الشيء هي علامة للتسارع لقطف ما تعجل أمره إليه، والتسرع والعجلة هي سمة وضعها الباري للعباد {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً}, فلا نعطي أي انطباع أو آراء لأشياء ليس لها مبررات، تفاهات أو مجرد زعزعة فكرية بسبب حماس ما أو إثبات الوجود.
الخطاب الديني هو الموصل الحقيقي للمجتمع نحو الأهداف المتينة والأهداف التنموية والأهداف التي لها صلة مباشرة بالمجتمع والأسرة، فالخطاب الديني وما نشاهده الآن مختلط بأفكار تنتمي لعقول متعددة ولا تنتمي لعقول متعددة ولا تنتمي لمؤسسة دينية لها مرجعيتها وإسنادها، كل شخص يدلو بدلوه من دون محاسبة من الجهات المسؤولة، فالقنوات الفضائية تكون قريبة للمجالس للمنازل لمواقع عدة، فتوظيف الخطاب الديني وفق ما نراه الآن يأتي وفق الثقافة الموجودة في الداعي والمتلقي يكون متوافقاً فكرياً لذلك، فعلى سبيل المثال خطبة صلاة يوم الجمعة، قليلاً ما نسمع ما يتفوه به الخطيب عن المشاكل الأسرية أو المشاكل المحيطة بالمجتمع، حتى المشاكل والكوارث العالمية لا نجد لها أي مكانة في قاموس الخطيب، يعتقد البعض أن الخطاب الديني وخصوصاً عن طريق المؤسسات المختصة، يعتقد أنها تكون ملزمة بقوانين وسنن شرعية، فتثقيف المجتمعات وإبداء الآراء والنصح بما فيه فائدة للمجتمع يأتي بكيفية اتساع المفهوم الحقيقي للخطاب، فلا نكرس أنفسنا ونجدها مواقعة للحاضر، فنحن نعرف أن هناك مجتمعات داخل بيئة واحدة ومقيدة بقوانين عرفية اكتسبوها من إرث سابق ولا زالوا متمسكين بخيوطها أقل تقدير، والمؤسسات الدينية من المفترض أن تكون متوافقة مع متطلبات الحياة، فنحن نرى أن هناك اتساعاً جدلياً بين الشخص والآخر، والتوافق يجب أن يكون وفق الحياة وتغيراتها، فهناك التحولات الكثيرة في البلدان العربية والإسلامية ولا نجد التوافق بخطاب ديني واحد، فتختلف لغة الخطاب من دولة لأخرى، فجمهورية مصر بخطابها الديني تختلف عن إندونيسيا، والمملكة تختلف عن بقية الدول، فهي مرجعية تتأسس على المنظومة وتفعيلها من قبل الجهات المسؤولة في كل دولة، كم مسجد جامع يوجد لدينا؟ كم من داع موجود بظهوره الإعلامي عبر الإعلام المرئي؟
أسس موجودة ولكن نفتقر إلى توظيف وتفعيل تلك الأسس بالوجه المطلوب، 70% من الظهور الإعلامي لبعض الدعاة يكون محصوراً بالفتاوى فقط، حتى الفتاوى أصبحت من كل جانب والضحية المتلقي.. ولكن التوجيه والإرشاد وتوسيع الثقافة الدينية والاجتماعية لا نجدها تأخذ الوقت المخصص لها، كم نحن بحاجة إلى المفهوم الحقيقي للثقافات وتوسيع الدائرة المحيطة التي تشبعنا من آثارها!
الخطاب له تبعات على المدى البعيد، فهو خطاب بغض النظر عن التوجه المحيط بالخطاب فله أهداف، تكون أهدافه طائفية أو حركية، فالمواطن تتكرس فيه المفاهيم حول الخطاب وما يرن بصداه الآفاق خصوصاً أن هناك ولاء بفكر مواكب مع الكثير ممن هم معروفون بخطابهم للمجتمع.
نحن أمة إسلامية خلقنا الله تعالى لعبادته ونفتخر بالدين الإسلامي فهي نعمة نحمد الله على أن هدانا لذلك، ولكن الإسلام بسماحته وبوسطيته يريد من أي شخص مترجل في الخطب يوم الجمعة والدعاة، يريد منهم توضيح الواقع بوجه عام، فالعنف الأسري والأمراض الموجودة، وكثير من المشاكل الموجودة في حراكنا اليومي لا نجد لها تواجداً عن طريق هؤلاء؟ مع أن تلك المشاكل تعتبر جزءاً موجوداً في المجتمع، ولماذا نحمل الجهات المعنية كل صغيرة وكبيرة؟ النفوس تتغير والحياة تتغير، ولكن التواجد الديني من قيم ومبادئ لازالت متواجدة ولن تزول، تبقى المسؤولية على المؤسسات المختصة الدينية والاجتماعية، السؤال الذي نعتقد أنه يتبادر في مخيلة الأشخاص:
هل نجد يوما أن خطيب الجمعة دكتور مختص في علوم النفس أو الاجتماع أو الأسرة؟
وما موقف أصحاب الشأن أو المؤسسات الدينية بذلك؟
خطبة الجمعة هي عيد المسلمين، النصيحة لا تكون مربوطة بشخص ما له سمات معينة من الدين.. خطبة الجمعة للإنصات، فن التواجد الثقافي والاطلاع فن الإلقاء هو المحك الرئيس لتوصيل المعلومة للحضور.. ويؤسف أن بعض من يرتجلون بخطابهم الديني يوم الجمعة مجرد تغطية اليوم بخطبة ما ليس إلا!
حشو كلام في الورق عن أشياء لا نجد أنها ملزم الخطيب بالتفوه بها، فعلى سبيل المثال معرفة النهي عن عقوق الوالدين أو الخمور هل الحضور لا يعرفون مدى حرمتها من الباري؟
هناك قضايا يحتاج المجتمع لتوضيح أهميتها ومدى خطورتها على الأسرة.. وفن الإلقاء يأتي بالثقافة الموجودة والمترسخة في الخطيب.. الاطلاع والتقصي للأحداث وفهم الحياة ومعرفة الأمور الحياتية بحراكها.. تلك الأشياء هي ما يجب أن تكون متواجدة لدى الخطيب.. فنحن نواجه تيارات مختلفة، نواجه عقولا مختلفة.. وما موقف القارئ من تلك العقول والتيارات؟
الزمن كفيل بذلك.
s.a.q1972@gmail.com