Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/08/2009 G Issue 13466
الثلاثاء 20 شعبان 1430   العدد  13466
شيء من
محاكمة القنوات الفضائية
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

يُخيل إليّ أحياناً وأنا أستمع إلى تعليقات بعض طلبة العلم أننا نعيش في كوكب آخر، أو عصر آخر، لا علاقة له بالكوكب أو بالعصر الذي نعيش فيه. أحد الشباب الدعاة يعمل - كما عرف بنفسه - في وزارة الشؤون الإسلامية، ظهر في إحدى القنوات الفضائية مندداً ببعض القنوات الفضائية، لأنها تبث برامج تحتوي على مخالفات دينية وأخلاقية، وطالب بمقاضاة أصحابها، لأن السكوت عنهم، وعن تجاوزاتهم لا يقره الدين وتأباه الأخلاق. يقول بالنص: (ينبغي أن يلحق بهم ضربٌ من ضروب التعزير وصنوفه؛ بالسجن، الردع، العقوبات المالية، الغرامات قدر الإمكان؛ أن يُصدوا عن إفساد الناس؛ وكذلك ربما يتسع ? أي الردع - إلى إزهاق الأنفس) انتهى.

ربما أن ما قاله هذا الداعية عن تجاوزات بعض القنوات صحيح؛ فهناك - بالفعل - بعض القنوات الفضائية تبث برامج ومشاهد تأباها قيم الفضيلة، قبل أن يرفضها الدين القيم، وكذلك أنظمة المملكة المستمدة من الشريعة.

ولكن هل يمكن لنا (مقاضاة) قنوات لا تبث من بلادنا، ولا (ولاية) لنا عليها؟.. تَملُك سعوديين لاستثمارات في الخارج لا يعني أن أنظمة وقوانين المملكة (تمتد) إلى خارج حدودها الجغرافية والسيادية، حتى وإن كان مُلاكها أو بعضهم سعوديين. فإذا ما طرحَ - مثلاً - أمام القضاء في المملكة قضية ذات بُعد دولي، يُفترض - أولاً - أن يتأكد القاضي من أن القضية محل النزاع تدخل ضمن ولاية محاكم دولته؛ فإذا كانت القضية (خارج) حدود المملكة السيادية، فإنها في هذه الحالة قد تدخل في نطاق ما تم التعارف عليه دولياً ب(تنازع القوانين)، أو بلغة أدق: (القانون الواجب التطبيق) من أجل تكييف التعامل معها قضائياً؛ فالفضائيات تتنازعها على أرض الواقع قوانين متباينة: قوانين بلد الإرسال من جهة وقوانين بلد الاستقبال من الجهة الأخرى؛ وهذه مسائل شائكة ومُعقدة، وذات أبعاد خاصة وعامة، وتداخلات قانونية وكذلك سياسية، تتطلب بحثاً وتمحيصاً، قبل أن نطرحها كمطلب واجب التنفيذ.

لذلك فإن (تعجّل) بعض الدعاة في طرق مثل هذه القضايا الشائكة، وغير المحسومة من حيث قواعد الإسناد، وكذلك الولاية، وطرح رؤاهم على شكل (مطالب) شرعية، كما جاءت على لسان هذا الداعية الشاب - مثلاً - من شأنه أن يخلق صورة غير دقيقة، تُظهر السلطات في المملكة وكأنها (مُقصرة) في أداء واجباتها، رغم أن القضية ليست بالبساطة والسهولة التي يطرحها هؤلاء الدعاة.

النقطة الثانية التي من المفترض أن يُراعيها هذا الداعية، وغيره من الدعاة، عندما يتطرقون إلى مثل هذه القضايا، ألا يُقدموا أنفسهم كممثلين للجهة أو الجهات (الحكومية) التي يعملون فيها أو يتعاونون معها ما لم تكلفهم هذه الجهة رسمياً بالرد؛ هناك فرق بين الرأي الذي تطرحه بصفتك الشخصية ? كالرأي الذي طرحه هذا الداعية الشاب - والرأي الذي تقدمه بحكم موقعك الوظيفي. في الحالة الأولى أنت تمثل نفسك وليس الجهة التي تعمل فيها، وفي الحالة الثانية، عندما تضع مسماك الوظيفي إلى جوار اسمك، فأنت تتحدث بصفتك الوظيفية وليس الشخصية؛ فالمسمى الوظيفي يترتب عليه مسؤوليات وأبعاد يجب أن يأخذها المتحدث في الاعتبار قبل التصريح بأي رأي، أو شجب أو دعم أي ممارسة. وكثيراً ما تواجهنا - بالمناسبة - نحن الكتاب مثل هذه الحالات، وبالذات فيما يتعلق بردود القراء، يُقدم فيها بعض أصحاب الردود أنفسهم بصفتهم (الوظيفية) وليس الشخصية، رغم أن الجهة التي يعمل فيها لم تكلفه بالرد وإنما جاء به من تلقاء نفسه. وهذا ما يجب أن يتنبه إليه المسؤولون.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد