لا أحد يمتلك الحقيقة لوحده, ولا أحد يستطيع أن يدعي ذلك أبدا. إذ إن من التطرف اعتقاد أن رأيك صواب لا يحتمل الخطأ , ورأي غيرك خطأ لا يحتمل الصواب. فالآراء كما أنها تحتمل الصواب هي ذاتها قد تحتمل الخطأ, فليس أحد معصوما مهما كان, وكل الناس يأخذ من أقوالهم ويرد منها إلا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن تقديم النقد للآخرين وتقبل النقد منهم, أمر مهم لنجاح الأفراد والمؤسسات. فحاجة النقد إلى البناء, لا تقل عن حاجة البناء للنقد. وبالتالي فإن النقد هو: تشخيص الفكرة, أو العمل بما يحتاج من تعديلات , وإثباته على مميزاته الحالية للمحافظة عليه. وذلك حتى لا نكون بارعين في تسليط الضوء على السلبيات فقط دون التركيز على الإيجابيات.
النقد البناء يتجه نحو الفكرة لا الذات, من أجل أن نرتقي بالفكرة دون إسقاط الآخرين. وقد قيل: إن العقول العظيمة تناقش الأفكار, والعقول المتوسطة تناقش الأحداث, أما العقول الصغيرة فإنها تناقش الأشخاص. ومن ثم فإن من أبجديات النقد, أنه يقوم على الاحترام المتبادل بين الطرفين من خلال تقديم النصائح, مع مراعاة الظروف المكانية والزمانية, والتجرد من المواقف والأحكام المسبقة, وعدم الدخول إلى النيات والمقاصد, وأن يكون النقد قائما على أصول شرعية أو عقلية.
وفي المقابل قد يكون النقد قوة هدامة عندما لا نحسن استخدامه بالشكل الأمثل, فيكون وسيلة لتشويه الآخرين, ونشر غسيلهم من خلال الهجوم غير الموضوعي على فكرة ما, أو شخص معين, بسبب الجهل والتعصب والهوى.
أذكر مرة حين قرأت قول الله - تعالى - في سورة سبأ: ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ). أيقنت أنه إن لم يكن لي من كل حروف الأوراق على هذه الأرض إلا هذه الآية لكفت. ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح الباب لأصحاب الديانات الأخرى بعرض حججهم دون إسقاطهم, أو اتهامهم.
ما أجمل أن نتلطف في عباراتنا فننتقي أعذب الألفاظ وأحسنها, حتى نستطيع فتح مسامع القلب قبل الأذنين, وحتى يتقبل الآخر النقد بصدر رحب , فهدفنا الإصلاح وليس الانتصار للذات , والحصول على مكاسب شخصية. فالنقد البناء هو أول إشارات الانطلاق إلى تغيير الواقع نحو الأفضل, ودفع المسيرة إلى الأمام من خلال تقييم أداء المنتقد. وهو هدية إن عرفنا كيف نقدمها على طبق من المحبة. فأمة بلا نقد , أمة بلا إبداع , ولا مستقبل واعد أفضل.
أخيرا.. فإنني أقف مستسلما , وأشعر بضعف شديد أمام كلمات ذهبية رسمها الدكتور سلمان العودة ، حين قال: إن من الصدق أن أقول: إنني أكن الاحترام لكل من خالفني , كما أكنه لكل من وافقن ، وأقدر حتى أولئك الذين يشتدون أو يقسون،لأن دافعهم هو الغيرة غالبا, وهم إن تلطفوا أهل للشكر , لأنهم يساعدوننا في الوصول إلى الحقيقة, وإن أغلظوا يستحقون الشكر أيضا, لأنهم يدربوننا على الصبر والمصابرة. كم أنا مدين لأقلام طريرة كحد السيف, علمتني كيف أمضي في طريقي مبتسما هادئا مستعدا لأقتبس منها, كما أقتبس من غيرها متجاوزا ما زلت به عباراتها, لأنني المنتفع الأعظم لكل معرفة، أو حكمة, أو صواب هداني إليه ربي بواسطة عبد من عباده..
لا حرج عليك أن تصدع برأيك، ولا حرج على أخيك أن يخالفك الرأي، ولا على الناس أن ينقسموا بين هذا وهذا, شريطة ألا يتحول الأمر إلى استقطاب وتحزب وفرق مفترقة يغير بعضها على بعض، وتتسارع لحشد الأنصار والموافقين, وكأنها أمام معركة الحياة الكبرى، أومفصل الحق والباطل.
drsasq@gmail.com