Al Jazirah NewsPaper Friday  24/07/2009 G Issue 13448
الجمعة 02 شعبان 1430   العدد  13448
نسج من الألوان موسيقاه
علوان: علّمني العراق الرسم.. وروما علّمتني الفن

 

دمشق - عامر مطر:

الحب أو الكراهية ألوان تفضح مشاعر أشخاص لوحاته، فتصبغهم وتصبغ سماء اللوحة الضيق في مكانيته، والأفقي في إحساس ألوانه.

يوقّع على لوحاته باسم (جبر علوان) لكنه في الحقيقة التي أدركها عبد الرحمن منيف (جبر ألوان).

ترقص نساؤه بالأحمر ويبكين بالأحمر أيضاً، ويجلس الشرق في المقاهي داخل لوحاته بألوان معتمة، أما الغرب، فيجلس في مقاهي لوحاته أيضاً، لكن بألوان أكثر فرحاً وحرارة.

حين غادر علوان عراقه إلى روما، أثرت فيه كثيراً، بما تحمله من عمران وسينما، أما المسرح أثر فيه حدّ اللوحة، فقرأ أبطال مسرحية سعد الله ونوس (طقوس الإشارات والتحولات) قراءة تشكيلية، يقول علوان: (أتت علاقتي به من حالة شخص سعد، ومن شخصيات مسرحه، كانت حالات مكتوبة على الورق فجسدتها على اللوحة).

كأن المسرح لم يغادره إلى اليوم، فرسم أغلب أشخاصه إثرها في أماكن مغلقة، كأنهم على خشبته رغم حركتهم على مسرح لوحاته.

يعتقد علوان أن المكان المغلق في اللوحة يسهّل عليه قراءة الحالة السيكولوجية (يعطيني المكان المغلق فرصة للتعبير عن حالة الشخص، أعرف مشاعره، فأستطيع التعبير عنها بسهولة، طبعاً ذلك قريب من المسرح أو البيت).

أما الأشخاص فيظهرون ككتل في لوحاته، كأن فيه رغبة مكبوتة للنحت الذي بدأ حياته الفنية عند دراسته، يشرح علوان: (توجد في لوحاتي كتلة تحمل حالة نحتية، فدراسة النحت أثّرت بي كثيراً، لذلك يظهر شخص أو شخصان في فضاء لوحتي بما هو أقرب إلى النحت، لكنه مختلف عنه في ذات الوقت).

اللون العراقي

إضافة للمسرح والنحت تظهر ألوان العراق في لوحاته بكل تطرفها، من زرقة الفرات المطلق، وملامح فصول بابل (أحمل ذلك منذ طفولتي... تحولات الطقس وما يحمله من تغيّر في شكل ونوع البيئة... فمن الخضرة إلى الصفرة، وقوّة الشمس، والسواد بين الظل والضوء... رافقتني كل العوامل السابقة إلى روما، واستطعت صياغة أشياء جميلة منها). لكن إلى أي مدى تأثر بالفن التشكيلي العراقي (لم أتأثر به، علّمني أساتذتي في العراق الرسم، وروما علّمتني الفن).

نساء جبر ورجاله

تشتغل بألوان صارخة، وترسم نساء حالمات في أماكن مغلقة كأنهن ينتظرن فرسان، ألا تعتقد أن هذا مخاطبة للغرائز وللعين العادية؟ (لا... حين أرسم المرأة في حالاتها المتعددة من فرح، ورقص، وتأمل، ووحدة، وانتظار، وانكسار... أرسمها حسب الحالة السيكولوجية للمرأة في حالاتها. حين أتناول حالة الوحدة مثلاً، تجد المرأة غارقة في وحدتها داخل اللوحة، وعلامات الاستفهام واضحة عليها... في داخلي الكثير من التساؤلات حول تكوين وعقل المرأة ). يضيف: (أرسم كي أخاطب العين، وبالتالي تعتمد اللوحة على العين التي تقرأها).

لا تظهر ملامح الأشخاص في لوحات علوان، يعبّر من خلال اللون عن الحالة الحسية والجمالية والأيروتيكية دون دخوله في تفاصيل الشكل، والأهم عنده هي تفاصيل النفس.

أما الرجل في بعض لوحاته سُحقت أطرافه وتعرّجت ملامحه... تُرى هل أراد عبر ذلك تصوير ظلمهم، أم ما يعانونه من ظلم؟ (رسمت الرجل بعدّة رجال... في الكثير من اللوحات رسمته مجنوناً لأعبر عن الاضطهاد الذي يعيشه رجال الشرق، لكن حين أرسم الغربيين أُبين التعب السيكولوجي داخلهم، والناتج عن التطور التكنولوجي).

هرم اللوحة

اللوحة التي ترسمها باتت في منطق الفنون الجديدة تقليدية، هل تشعر أنك هرم فنياً؟ تجهّم جبر: (لست بعجوز...مازلت ذلك الطفل الذي يبحث عن اللوحة، ولم أرسم اللوحة التي أبحث عنها بعد).

يضيف: (في السابق كانت المدارس تُبنى بشكل عمودي، مدرسة تلغي الأخرى، أما الآن تعددت الفنون والمدارس، وجميعها متاحة أمام الفنان، لكن المهم أين تُبدع؟).

لكن ما الفرق بين اللوحة الحقيقية واللوحة التجارية عند علوان (هناك فرق شاسع بين اللوحتين... الأولى تنبع من أحشاء الفنان؛ يضع إحساسه وأفكاره ورؤاه للعالم فيها، أما الثانية هي ما يطلبه الناس).

جدلية المزج والحجم

يتحدث جمهور جبر علوان كثيراً عن مسألة عدم مزجه للألوان، بعضهم يراها امتيازاً عن غيره، وآخرون يعتقدون أنها مأخذ يعيب فنه، أما علوان فيرى أن: (المسألة خاصة بالفنان... كل فنان يختار تكنيكاً يناسبه ويستطيع التعبير من خلاله... أحياناً أمزج وأحياناً لا أمزج، المهم كيف تخرج اللوحة).

وعن الأحجام الكبيرة التي تخرج أغلب لوحاته بها: (أحب الحجم الكبير لأنه يمنحني المزيد من الحرية في حركتي وفي حركة الألوان والموضوع... اللوحة الكبيرة تمنحني الحرية في التعبير، أما اللوحة الصغيرة.. تقيدني، تُحددني، تقتلني).

مقاهي جبر

الآن يزدحم مرسم جبر علوان في دمشق بلوحات مجموعته الجديدة (المقاهي) التي لم تعرض بعد، أدخل علوان بُعداً جديداً فيها، هو انفتاح السماء، كما حملت كثافة في الحضور البشري.

لكن لماذا المقاهي؟ يُفسّر: (هي اللقاء مع الآخر، والخروج عن الحالة التقليدية اليومية في البيت والعمل، في مقاهي الشرق تُلغى حالة الوحدة، ويسود اللقاء والعبث في الوقت، كما يلتقي فيها المثقفون، فتصبح برلماناً ثقافياً يشتعل فيه الحوار والاختلاف والاتفاق، أما مقاهي الغرب يُستعرض الجمال فيها، وتزداد حالة الاغتراب داخلها).

تظهر على الغالب مقاهي الشرق داخل لوحاته سوداوية، فيها الكثير من الشحوب والتعب، أما مقاهي الغرب فخَرجت بألوان الفرح.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد