Al Jazirah NewsPaper Friday  24/07/2009 G Issue 13448
الجمعة 02 شعبان 1430   العدد  13448
الحقيقة

 

الأرض يكسو وجهها ألوان مختلفة من النباتات، والمياه تتدفق عبر الأخاديد والمنحدرات، والطيور تشدو بألوان مختلفة من الأصوات. هذه المشاهد الجميلة التي يعرضها التلفاز، وهذه اللقاءات مع رواد تلك الأماكن الغناء، لفت أنظار إحدى الأسر الغربية، فتركت ما في يدها، وتحلقت حول جهاز التلفاز، وحملقت فيما يعرضه من مشاهد تأخذ بالألباب.. وحين انتهاء العرض، نظر بعضهم إلى بعض، ثم قال (مايكل): إنها مشاهد مغرية، فقال (جورج): صدقت، إن الأرض وهي تكتسي بتلك الألوان الزاهية تغري بشد الرحال لتلك الأماكن.. وقال مخاطباً زوجته: ما رأيك (يا ماري؟) فقالت بعد تردد: إذا كانت تلك رغبتكم، فلا مانع عندي، فقالت أختها (سارا): تبدين مترددة، هل يمكن أن تفصحي لنا عن سبب هذا التردد؟ فقالت: أبداً أبداً أنا معكم، فقال زوجها (جورج) فلماذا هذا التردد إذن؟ وبعد صمت قالت: أجد في صدري انقباضا وخوفا غامضا، فقال (توني) متعجباً: خوف ممن؟ فقالت: لا أدري، نظر إليها (جورج) وابتسامة تعلو محياه، لقد عشنا في هذه البلاد سنين طويلة، وعاش فيها إخوة لنا وزملاء كثيرون مدد طويلة، ولم يتعرضوا إلى أي أذى صغيراً كان أو كبيراً، فنحن قبيل طلوع الشمس، سنتوجه إلى أحد الأماكن البرية. شرعوا يرسمون مسار الرحلة، وما قد يحتاجونه من أدوات وآلات.. وقبيل طلوع الشمس، كان الجميع قد ركب سيارة الجيب وانطلقوا يبحثون عن مكان مناسب. فلما وصلوا أنزلوا عدة البر وبسطوا الفراش، وبعد تناول طعام الإفطار، انطلقوا يصعدون الجبال ويهوون في بطون الأودية، وينطلقون هنا وهناك، ويجمعون ما يلفت الانتباه من الأحجار والنبات، وحين الشعور ببعض التعب، يستظلون تحت ظلال الأشجار، ويلتقطون الصور.. ونسيت (ماري) مخاوفها. وبعد جولات وصولات، اجتمعت الأسرة تحت ظلال إحدى الأشجار الوارفة، واتخذ كل واحد وضعية مناسبة له في الجلوس، لاحظت (ماري) أن صغيرها (مارتن)، قلت حركته وكثر نومه، نادته فلم يستجب، كررت النداء، ولكنه ظل صامتاً في مكانه، نهضت إليه فحملته وضمته إلى صدرها، طلب والده منها أن تحمله إلى داخل السيارة، فانطلق مسرعاً بسيارته، في خط مستقيم اختصارا للوقت، وهو يجهل المنطقة وتضاريسها، فانغرست عجلات السيارة في أحد بطون الأودية الرملية، حتى تعلقت عجلاتها..

وبينما هم على هذه الحال المرعبة، إذا بصوت سيارة يسمعونه من بعيد، ويدنو منهم شيئاً فشيئاً، حتى وقفت بجانبهم سيارة ترجل منها ثلاثة رجال، وبقدر فرحهم برؤيتهم إلا أن مخاوف غريبة اجتاحتهم. حيوهم بلغتهم، بينما هم وقفوا متلاصقين في صف واحد، شاحبة وجوههم.. دار الثلاثة حول السيارة، ونظروا تحتها وقالوا: لا يمكن إخراجها من هذا الوادي إلا عن طريق رافعة. لاحظ هؤلاء الغربيون، أن هؤلاء الشباب يتحركون بعفوية، ورغبة صادقة في مد يد المساعدة لهم، فبدأت مخاوفهم تتلاشى. طلب منهم هؤلاء الشباب أن يستريحوا، ويتركوهم يتدبرون شأن سيارتهم، بعدما لاحظوا عليهم آثار التعب والنصب، شكروهم وقالوا: إن الأمر بالنسبة لنا أكبر من أن نستريح فلدينا طفل مريض، ونريد نقله بأقصى سرعة لأقرب مصحة فقال علي لوالده: إذن سنذهب به أنا وأنت إلى المستشفى، ثم التفت إلى رفيقه أحمد وقال: اركب معنا لتحضر رافعة، وأنت يا زيد: ابق معهم حتى نعود إليكم جميعاً إن شاء الله. ثم انطلقوا بسيارتهم، حتى وصلوا عند إحدى المحطات فنزل أحمد من السيارة لإحضار الرافعة، بينما واصل علي ووالد الصبي السير إلى المركز الصحي داخل البلدة، فحصه الطبيب، ثم وصف له بعض الأدوية. عادا إلى المحطة للتزود من الوقود، ثم دلف علي إلى البقالة وقام بشراء بعض المرطبات والمكسرات، ولعبة صغيرة، ثم واصلوا المسير، وحينما وصلوا وجدوا الرافعة قد سبقتهم فتعاونوا في إخراج السيارة ثم نقدوا لصاحب الرافعة أجرته، واختاروا مكانا مرتفعا، ففرشوا البساط وشرع أحمد في عمل الشاي المخدر على الحطب، وبعد الانتهاء من إعداده، تحلقوا حول أبريق الشاي، وقام علي بمداعبة الصغير الذي تحسنت صحته، وأعطاه الهدية، كانت جلسة ودية انشرحت فيها النفوس، فأفضوا بما يعتلج في صدورهم، من قناعات زائفة عن الإسلام والمسلمين.. تركوهم يتحدثون فلم يقاطعوهم، حتى إذا ما انتهوا، قاموا بتفنيد تلك القناعات الزائفة، وقالوا: أنتم ضحية إعلام جائر، وهذي مقاصد سيئة، فدين يحرم على أتباعه قتل الدواب بغير وجه حق، هل يمكن أن يجيز قتل الأبرياء أيا كان جنسهم أو معتقدهم؟ عليكم أن تفرقوا بين تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتصرفات بعض من ينتسبون إليه، ثم تشعب الحديث وتناقشوا في موضوعات كثيرة، حتى حان موعد أذان المغرب، فصدع به علي، ثم اصطف ثلاثتهم لأداء الصلاة، وبعد الانتهاء توادعوا بعد أن زود كل واحد الآخر برقم جواله.

محمد بن فيصل الفيصل – المجمعة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد