Al Jazirah NewsPaper Friday  24/07/2009 G Issue 13448
الجمعة 02 شعبان 1430   العدد  13448
الرجل الذي يفهمني

 

ومضة

المرأة دمعة.. الرجل أرق من تلك الدمعة.. ولكن خلف أسوار منيعة

دانة الخياط
يا لها من ليلة طويلة مملة، كل شيء ساكن وكثيب، حتى عصفوراي الصغيران متوقفان عن التغريد والإنشاد، وكأن كل شيء يشاركني كآبتي ومللي.. خرجت إلى الحديقة لعلي أجد بعض السلوى، ولكن دون جدوى. أعدت كوبين من الحليب الدافئ، وذهبت لايقاظ زوجي الذي كان يغط في نوم عميق.. ليته يستيقظ ليشاركني بعضاً من الهموم التي تجثم فوق صدري.. لكنه لم يستيقظ، جلست على كرسي الهزاز أهدهد نفسي ملتمسة بعض السكينة، وتذكرت ما مر بي خلال يومي الطويل المرهق.

كعادتي كل يوم، أبدأ صباحي بالتحضيرات لمدارس الأولاد، ثم العمل ومسؤولياته، ليأتي بعدها دور بيتي وأولادي وزوجي، والواجبات الاجتماعية والطلبات التي لا تنتهي.. ومع هذا فقد اعتدت على روتين الحياة اليومي، وتأقلمت معه.. لكن العارض الذي حصل اليوم هو الذي أربكني وأثر علي..

في الحصة الثالثة، وعندما كنت منهمكة مع طالباتي، أشرح لهن إحدى قواعد اللغة الإنجليزية، رن هاتفي الجوال، وكانت والدة صديقتي ريم ظننت انها تذكرني بموعدنا اليوم، حيث اتفقنا على ترتيب منزل ريم الجديد، وشراء الاحتياجات تمهيداً لعودتها من شهر العسل. ولكني فوجئت بها تطلب مني الحضور على عجل..

لدى وصولي إلى منزل ذوي ريم، فوجئت مرة أخرى بوجود ريم التي كان من المفترض أن تصل ليلاً، وكانت في حالة يرثى لها، تبكي وتصرخ، متألمة، معترضة، يتملكها القهر.

نقلناها إلى المشفى، وبعد أن نامت واستقرت حالتها نظرت إلى والدتها مستفسرة، فقالت بكلمات مقتضبة: طلقت ريم للمرة الثانية..

مسكينة ريم، كان زواجها الأول عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وكان زوجها قاسياً شديداً، لم يراع صغر سنها وقلة حيلتها وافتقادها للخبرة في الحياة.. وكنتيجة طبيعية، وبعد 8 سنوات، انتهى هذا الزواج بالطلاق، بالإضافة إلى أطفال ثلاثة أنجبتهم. ومع هذه النتيجة لم تكن ريم غير راضية، بل على العكس، كانت راضية كل الرضا لقناعتها بأن الزواج يحتاج إلى قلوب تفيض بالمودة والرحمة، قلوب تفيض باللين والبشاشة والمؤانسة والبساطة والتواضع والألفة والتسامح وسعة الصدر والتفهم والتنازل.. أما القلوب القاسية كالحجارة أو أشد قسوة، لا تصلح للزواج، وإن تزوجت فهو زواج تعس لابد ان ينتهي بالطلاق.

بعد الطلاق الأول لم تلق ريم عبء فشلها على غيرها، ولم تستعذب لذة الفشل، ولم تغتر بسحره، واجهت الفشل، واعتبرت تجربتها دافعاً لها للتحصيل والإنتاج، حيث أنهت دراستها الثانوية وأتبعتها بشهادة جامعية بتفوق منقطع النظير. وأقبلت على العمل بنشاط وحماس برهنت به عن حبها للحياة، لكن كان خوف دفين بداخلها من المستقبل، أين ستعيش ومع من ستكبر، من سيؤنس وحدتها ويساعدها في عجزها..

تعرفت على زوجها الثاني، وسارت أمور الزواج بسلاسة ومرونة، كانت سعيدة ومرتاحة البال، وحدث ان الزوجة الأولى لزوج ريم خيرته بين طلاقها أو طلاق ريم؟ فاختار وبكل بساطة طلاق ريم، ليحافظ على زوجته الأولى وأولاده وعائلته.

أنا على ثقة تامة بأن ريم ستجتاز هذه المحنة كما تجاوزت سابقتها، فمثل ريم لا يستسلم، ولا يخذل، بل يواجه الحياة ويصنع من الليمونة الحامضة عصيراً حلو المذاق.

وفي تلك اللحظة راودتني أفكار غريبة، زوجي خالد.. أيعقل أن يتحول خالد ليصبح كالنماذج التي واجهتها ريم.. أيعقل أن يقسو علي ويعاملني بجفاء.. لكنه متغير بعض الشيء.. يقضي ساعات طويلة في العمل.. يقول بأنه يؤمن لي وللأولاد مستوى راقيا من المعيشة.. أعلم أنه رجل عظيم.. ولكن هل تنقلب الموازين؟ هل سيتوقف عن حبي ويكتفي من حبي له.. هل يريد الزواج بأخرى.. هل يغير مبادئه في الحياة..

ذهبت إليه حيث ينام ويغط في النوم من شدة التعب، أشفقت من إيقاظه،، بكيت.. فأنا لا أستطيع مواجهة الحياة بدونه.. هو كل شيء.. هو توأم الروح.. أنشودة القلب.. هو الحنان والأمان..

وبينما أنا في غمرة الأفكار والأوهام..

فتح خالد عينيه ونظر إلي بحنانه المعهود الصادق، وابتسم فهو الوحيد الذي يفهمني دون أن أتكلم، قبلني من جبيني، مسح دموعي، وهمس في أذني: أحمد الله على السعادة والاستقرار والطمأنينة التي أعيشها معك، أحمد الله على طيبتك.. وطفولتك..

صباح اليوم التالي كان صباحاً جميلاً مميزاً، له طعم الرضا ولون السعادة، وكان كل شيء حولي يفيض بالحب والحيوية.. حتى عصفوري الصغيرين بدآ بالتغريد والإنشاد، وكأنهما يشاركاني فرحتي وإحساسي.

توجهت إلى مدرستي لأجد على مكتبي باقة من الورد، وبطاقة مكتوب عليها:

إلى أجمل امرأة في العالم، كيف لي أن أعيش بدونك يا دانة دنيتي

زوجك المحب- خالد
وفي نفس الوقت وجد خالد في مكتبه باقة كبيرة من الورد، رقيقة المنظر، فواحة الرائحة، وبطاقة مكتوب عليها: الرجل الهادئ القوي.. محبوب ومحترم، فهو كالشجرة كثيفة الظلال أو كالصخرة التي تحمي من العاصفة.

زوجتك المحبة- دانة
يقولون: لا يعرف أسرار المرأة إلا المرأة، وأنا أقول: لا يعرف أسرار المرأة إلا الزوج المحب المخلص.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد