Al Jazirah NewsPaper Friday  10/07/2009 G Issue 13434
الجمعة 17 رجب 1430   العدد  13434
أسعد عرابي: لوني لا يشبه ألوان الآخرين
أنا أول من كتب عن التشكيل السعودي و (جاها) من أهم الفنانين

 

حاوره - عامر مطر:

يُحمّل الألوان عبء الموسيقى، علّ أصوات الألوان تخرج من لوحته على هيئة موسيقى لونية تحقق ما يسعى إليه أسعد عرابي في بحثه عن البرزخ بين الألوان والموسيقى.

بدأ عرابي بالدمشقيات، وعُرف فيها، رغم تنقله المستمر بين المواضيع، ليُثبت أن اللغة التشكيلية وحدها من يهمه، بما فيها من موسيقى، وصراع بين البارد والحار.

لم يكتف بالبحث عن موسيقى اللون، حاول أنسنة الأشياء عبر اللون أيضاً، يتضح هذا في مجموعته الأخيرة (طبيعة صامتة) التي ترتبط عناصرها مادياً ومجازياً بالمعنى الإنساني. يتحرك أشخاصها غير المرئيين داخل اللوحات، بين العناصر، تشعر بمرورهم عبر اللوحة، عبثوا بالأشياء ثم غادروا، دون أن يغادر أثرهم.

خرجت لوحاته بعناصر جديدة في معرضه الأخير (حوار بصري)، استقاها من العالم المعاش، عناصر صامتة، لكنها بموسيقى، رسمها في دمشق وباريس عام 2008، حملت عناصرها دفئاً بشرياً، يقول عرابي:

لا تمتلك العناصر استقلالها المادي أو الرمزي أو المجازي عن المعنى الإنساني... كل هذه العناصر تمتلك فكرة الحنين للزمن السابق، من خلال الغبار الذي تراكم عليها. ومن المرآة أيضاً، هي غير مقصودة بذاتها إنما من خلال علاقتها بالفعل الإنساني، أي الأشخاص الذين مروا أمام هذه المرآة ونظروا إلى وجههم فيها.

* عرضت لوحاتك برفقة لوحات الشاب عثمان موسى، ما الذي دفعك لهذا؟

- حساسية عثمان باللون لدرجة تجاه المادة كبيرة، يستحوذ على الإناء الذي يعمل عليه، فيفتته، ويعمل على الفروق بين أنسجة المادة. في تجربته ارتباط بالواقع وهدفه تفتيت الشكل أكثر من بنائه، أعتقد أنه متدرب حسب طريقة جان فيدلير الهولندي، كما تتجاوز قيمة عمله الفني ظاهر الإغراء الواقعي، تشعرني لوحاته بعدم ارتباطه بشكل فلكلوري بالواقع، وكناقد أتوقع أن تزيد خياراته للتفاصيل.

* ما التشابه والاختلاف بينكما؟

- التشابه الأساسية هو أنسنة الطبيعة الصامتة، وتحويل الساكن إلى طبيعة عضوية، تكتسب عناصر المجموعة أهميتها من استخدام الإنسان لها، هذا عنصر تشابه بيننا، فعثمان يقوم بتحويل الأشياء بروحانية، حتى النحاس له وشاح روحاني في لوحاته واستحواذ عاطفي يخلّصه من الواقعية الحيادية الجافة، إضافة لبداهته الفنية العالية، أما الاختلاف، في الأسلوب، وفي الهاجس الضوئي، أترجم بشكل تجريدي، بينما لديه الظلال، ولديه أشياء واقعية.

* تتنقل باستمرار بين المواضيع، ما علاقة الزمن بهذا التنقل؟

- لم أعتمد طوال مسيرتي الفنيّة على شكل واحد، رغم الملامح الدمشقية التي شكلت سمعتي المهنية. عُرفت برسم دمشق القديمة، وحاراتها، وأساطيرها، ونساؤها... الانتقال لأي موضوع آخر يأتي من رغبة عدم الالتصاق بالموضوع الشائع الذي عرفت فيه. ما أريد إشاعته هو اللغة التشكيلية، الأداء... ما يهمني أن يكتشف المتلقي علاقة الصراع بين الألوان والأشياء، فهاجسي الأساسي هو إبراز الصراع بين الألوان الباردة والحارة والإيقاع الموسيقي، وموضوعي هو اللون الذي لا يشبه ألوان الآخرين، إذا لا يتعلق الانتقال بين المواضيع بالفوارق الزمنية، إنما لكسر ما تعود عليه الناس، وتنزيه الشكل (الأداء). التنقل دون انفصام أسلوبي.

* كأن الفراغ ثقب داخل الألوان في لوحاتك، لماذا يضيق الفراغ داخل أعمالك؟

- ما يميز الفنان هو علاقة الفراغ بالامتلاء في أعماله، لو صنفنا الفنانين استناداً لنسبة الفراغ والامتلاء لوجدنا أن هناك فنانين كثر سيأخذون أماكن جديدة فيه، فالعلاقة بين الفن والفراغ فلسفية وثقافية بحتة. ما أخذه هنري مارتيز عن الفن الإسلامي في نسب الفراغ والامتلاء، مثلاً، نلاحظ أن فيه شبكة تغطي الورق بشكل كامل دون ترك أي مكان للفراغ، ذلك بعكس الفن الطاوي في الصين، ومما موجود في الهند، وفي دول آسيا الشرقية، الفراغ أساس والامتلاء هو الثانوي... أما أنا لست طاوياً لكنني أيضا لا أتبع مدرسة الفن الإسلامي أيضاً، تجتمع العناصر في عملي بالحيز، ويبقى الفراغ متماسكاً لو كان تجريدياً لا يعزل الفراغ. في هذه النقطة تأثرت بالطاوية، الفراغ المحايد الذي تترصع عليه الألوان. لكن لا تحتوي تكوينات الفراغ منذ خمسون عاماً إلى اليوم على قطوع جانبية كالتكوين الغربي، اعتمد على الهامش المضمر المستقى من المنمنمات الإسلامية.

* كيف رأيت الحركة التشكيلية في السعودية وما الذي دفعك فيها للكتابة عنها؟

- أعتقد أنني أول من كتب عن الحركة التشكيلية في السعودية، أرى فيها ما يخلق أنماط إبداعية غير ملوثة بالدراسة الأكاديمية، مثل يوسف أحمد جاها الذي يعتبر من أهم الفنانين العرب. لم يأخذ الفن السعودي حقه إلى الآن، ذكرت ذلك في كتاب عن الفن التشكيلي في السعودية، وفي دراسة نقدية نشرتها على صفحات جريدة الحياة اللندنية، وأعتقد أن جدة فيها أهم الصالات، ونشاطها اليومي يفوق النشاط التشكيلي في كثير من المدن العربية، وفيها فنانين كبار من كل المناطق مثل عبد الله الشيخ. منهم من درس في الخارج ونقل ما تعلمه للمحترف السعودي، كما فيها تنوع بسبب دراسة الفنانين في عدد من المدارس المختلفة، ويمكن القول إن الحركة التشكيلية في السعودية لها جذورها، ففي الستينيات اعتبرت الفنانة السعودية صفية بن زقة على رأس تسع نساء من أهم الفنانات التشكيلية العربيات، كما توجد في العمل السعودي جوانب حيّة ومثيرة بالنسبة لي، لكل منطقة خصوصيتها التشكيلية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد