كثيراً ما يصل إلى صندوق البريد الإلكتروني، أو حتى صندوق رسائل الجوال رسائل دينية أو اجتماعية أو حتى ثقافية أدبية أو ثقافية علمية، يزرع من خلالها عبارات وكلمات تصطدم بالقلب البشري.. ومن طبيعة البشر العاطفة.. انشر فلك الأجر.. انشر فغيرك ينتظر الفرج.. أستحلفك بالله أن تنشرها لعشرة أشخاص.. انشر وسوف ترى الأجر قريباً.
كلمات كُتبت في الرسالة لتأسر قارئها بعاطفته وتحرك فيه نخوته فيقوم بإرسالها دون العلم والدراية بمقتضاها.. وأنا أراهن أن الكثير لم يقرأ الرسالة بل عاود إرسالها لأنه لا يرغب ولا يرى أنه سيستفيد منها ويحاكي نفسه.. (آخذ أجراً على الطاير).. أي أجر تتحدث عنه، وأنت تمرر رسالة لم تتأكد من صحة المعلومة، أو صحة الحديث والدليل، بل ارتكبت ذنباً كبيراً في نشر مثل هذه الرسائل.
يقول الدكتور طارق السويدان معنوناً كلامه بثقافة تمرير رسائل البريد الإلكتروني إن المشكلة في محتوى الرسالة أحياناً يكون غير صحيح، ويحتوى على أخبار كاذبة أو على الأقل غير دقيقة، وللأسف نقوم بحسن نية بتمرير الرسالة، ومن الأمثلة لبعض الرسائل التي انتشرت حديثاً:
- الكلام عن معجزة علمية هزت العلماء بأمريكا، وقياس ذبذبات تصدر عن نباتات ونتج عنها لفظ الجلالة مرسوماً على شاشة الجهاز، وهو خبر قام بعض الملحدين (عرب للأسف) بتأليفه فقط للسخرية على حد وصفهم، وقاموا بوضع الخبر على أحد المنتديات الإسلامية، وهم على ثقة من أن المسلمين سيقومون بنشرها بأنفسهم خلال كل المنتديات وعبر الإيميل، وقد صدق ظنهم للأسف.
مثال آخر.. صورة غريبة لفتاة قيل أنها مُسخت، ثم تبيَّن أن الموضوع عبارة عن صور قامت فنانة بصنعها بالكمبيوتر.
ومثال آخر.. صورة قيل إنها بالقمر الصناعي لمكة والمدينة ويظهر بها الحرمان منيران في ظلام الليل، وتبين عدم دقة الخبر.
هذه مجرد أمثلة، وكلها يقوم المسلمون للأسف بتداولها بينهم، وتسري سريان النار في الهشيم، فمن المسؤول عن نشرها غير من يريد كيداً للإسلام؟
من يريد نشر المعلومات الخاطئة والبدع والخرافات بيننا؟
إنهم أعداؤنا ونحن نساعدهم بحسن نية للأسف.
فهم الرابحون سواء اكتشف المسلمون الخديعة أم لا، إن لم يكتشفوها فقد أُضيفت لهم بدعة في الدين، وإن اكتشفوها فربما أدى تكرار خيبة الأمل التي تتبع الفرحة بالخبر المكذوب إلى شك المسلم في دينه والعياذ بالله.. في حين أن ديننا العظيم كامل بما فيه، ولا يحتاج إلى هذه القصص الوهمية، لنتثبت من أنه الحق من الله، هذا ما تفضل به الدكتور طارق السويدان في تفسير معنى ثقافة تمرير الرسائل.
ومن الأمثلة الحية والقريبة جداً رسالة وصلتني من أخي الصغير، وهو ليس بصغير تقول: إن كنت تحب الله فاكتب اسمك في هذه الرسالة التي ضمت ما يقارب 232 اسماً لأصبح أنا رقم 233 التي وصلته الرسالة.. فقمت بإعادة إرسال الرسالة له.. وكتبت: حب الله يتوجب علينا اتباع رسوله بما أمرنا به واجتناب ما نهانا عنه، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (سورة آل عمران 31).
هنا أقف لأقول يجب علينا أن نثقف أنفسنا قبل أبنائنا عن كيفية تجنب نشر الرسائل المكذوبة ورسائل الفكر الضال المتلبس بصورة الدين الكاذبة.
فلكي نحقق ذلك يجب علينا أن نجعل من حكمة سقراط مدرسة.. ندرس ونعلم ونثقف كيف نمرر رسالة أو حتى نقول ونردد إشاعة.
في اليونان القديمة (399 - 469 ق.م) اشتهر سقراط بحكمته البالغة.
في أحد الأيام صادف الفيلسوف العظيم أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: (سقراط، أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك).
(انتظر لحظة) رد عليه سقراط (قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحاناً صغيراً يُدعى امتحان الفلتر الثلاثي).
(الفلتر الثلاثي؟)
(هذا صحيح) تابع سقراط: (قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة لنفلتر ما كنت ستقوله.. الفلتر الأول هو الصدق، هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح)؟
(لا).. رد الرجل: في الواقع لقد سمعت الخبر و(...).
(حسناً) قال سقراط: (إذاً أنت أكيد أن ما ستخبرني صحيح أم خطأ.. لنجرب الفلتر الثاني، فلتر الطيبة، هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟)
(لا، على العكس)..
(حسناً) تابع سقراط: (إذاً ستخبرني بشيء سيئ عن طالبي على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح).
بدأ الرجل بالشعور بالإحراج.. تابع سقراط: (ما زال بإمكانك أن تنجح بالامتحان، فهناك فلتر ثالث: فلتر الفائدة.. هي ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني)؟
(في الواقع لا).
(إذاً) تابع سقراط: (إذاً كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟).
هُزم هذا الرجل وأُهين.
فهذه حكمة سقراط.. والله سبحانه وتعالى أمرنا بأمر في كتابه الكريم.. يقول عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات 6).
sendto8484@hotmail.com