يُعتبر التعليم من الركائز الرئيسة وفرس الرهان في رقي الأمم، ذلك أن المعرفة وقود التقدم، ومن خلال العلم والمعرفة تبني الأمم كياناتها السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، العلم والمعرفة يؤسسان للقوة، يؤسسان للإعداد السليم في فهم الواقع واستيعاب المستجدات في ضوء المعطيات المحفزة لسلامة الإعداد، فبقدر العطاء في هذا المجال الحيوي الهام بقدر ما يكون الحصاد أسساً صلبة يرتكز عليها صنع المقومات، وقد كان إطلاق مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام (تطوير) بمثابة وضع المبضع على الجرح وتشخيص الداء لتهيئة الدواء الناجح في مسيرة العلم والمعرفة وللارتقاء بالأساليب لتجاري الحاضر وتواكب المستجدات، إن الهدف الأسمى للمشروع هو التكامل المنهجي والتناغم بين المادة والتهيئة، فالتهيئة السليمة ستؤسس لبيئة محفزة لاستيعاب تطوير المواد، وقد أشار المسئولون في إدارة المشروع إلى أنهم أنجزوا أو بالأحرى هيؤوا (50) مدرسة كعينة لمدارس متطورة نموذجية، وفي الطريق (300) مدرسة وإذا كان هذا الأمر إيجابياً وجيداً من ناحية التأهيل كمرفق فإن السؤال هنا وهو ما يرتكز عليه المشروع من جانب فني وتقني بحت، ماذا عن المحتوى؟ ماذا عن المضمون الذي ينبغي أن يلامس التنمية الفكرية بشكل مؤثر وفعَّال؟.. إن مشروعاً ضخماً وجباراً ومرتبطاً بالكيان الفكري للفرد ينبغي أن يلقي بالارتجال جانباً، وينحو إلى الخطوات العلمية والعملية في تفعيل المسيرة التطويرية في إطار التوازن والشفافية، في حين أن تثبيط العزائم دائماً ما يغلفه التوجس الذي ليس له ما يبرره سوى استباق الافتراضات الوهمية التي تقف حجر عثرة أمام أي تطوير أو تحديث ينحو إلى اللحاق بالركب نحو جيل منتج يحقق طموحاته طالما أن التحديد الدقيق للمسار سيعالج عسر المرور وطالما أن المخرج يسمح بالمرور وقبل هذا وذاك مخافة الله التي يتحلى بها أبناء الوطن، وهنا تكمن الحرفية الإدارية المهنية في مسار السفينة لتنطلق، ولكل مشروع صغر أو كبر تبرز بعض المعوقات وفي مقابل ذلك فإن العبرة في المحصلة وتغليب الجانب الإيجابي المتفائل.
وتظل الاستعانة بالعنصر الخارجي مسألة حتمية ولا سيما أن التطوير يرتبط بعنصر الإنتاج الفكري الخلاَّق، إن بناء الإستراتيجيات الفاعلة في الدعم والمساندة تتطلب المشاركة من مختلف الأطياف ذات التوجه العلمي لتؤسس لقاعدة تتكئ عليها المقومات بحس العمل وبذل الجهد والاجتهاد في هذا الإطار.
إن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أطلق هذا المشروع ليحقق لنا مستقبلاً طالما انتظرناه ونرجو أن نكون في مستوى الثقة الكريمة، وأن يؤتي هذا المشروع ثماره بقيادة سمو وزير التربية والتعليم وفريقه الجديد، ورصد ما تم اتخاذه من إجراءات وتوصيات، ليتمكن المشروع من تحقيق أهداف القيادة الرشيدة، إن غربلة قيادة المشروع في تقديري ستضفي مزيداً من الاحتراف والانفتاح المتوازن.
لا ريب أن مثل هذه المشاريع الإستراتيجية تحتاج إلى جهود من خارج الجهاز التعليمي وفق تنويع مصادر الأفكار والخروج من النمطية التي تبسط التجارب ذاتها.
الكل يدرك أن هذا المشروع قد بدأ بداية ممتازة ومتطورة جداً كمنهجية إلا أنه انحرف نتيجة اعتقاد إدارة المشروع أنها قادرة على التخطيط وإيجاد الحلول وتنفيذها دون الاستعانة بجهات متخصصة سبق لها القيام بمثل هذه المشاريع الإستراتيجية.. وإلا لماذا طرحت وزارة التربية والتعليم العام الماضي منافسة تقدمت لها الشركات العالمية المتخصصة للإشراف العام ووضع الحلول وإدارة المشروع.. وما هو دور تلك الشركات؟
إن المشاريع الإستراتيجية ذات أبعاد سياسية ودينية واجتماعية وتعتبر منظومة مترابطة مثل هذا المشروع الذي تمتزج وتتكامل برامجه الأربعة:
1 - برنامج التأهيل والتدريب.
2 - برنامج تحسين البيئة التعليمية.
3 - برنامج تطوير المناهج التعليمية.
4 - برنامج دعم النشاط غير الصفي.
والحلول المثلى المتكاملة لتنفيذ هذه البرامج بمهنية عالية وبعيداً عن البيروقراطية وبمنهجية تؤدي إلى مخرجات تتوافق مع طموحات هذا المشروع الجبار هو أن توكل مهمة الإشراف وإيجاد الحلول إلى جهات أو شركات استشارية عالمية متخصصة سبق أن قامت بالإشراف على مشاريع مماثلة بالحجم والجودة والنوعية حتى لا نقع في أخطاء الماضي ونعيش في سياسة التجربة على حساب الوقت وهدره وحتى لا يسود الارتباك وتتداخل المفاهيم فضلاً عن الصلاحيات بين الاستشاريين والقائمين على إدارته.. كما أنه من الضروري في هذه المشاريع العملاقة استقلالية الجهة الاستشارية عن الجهة التنفيذية والاستثمارية للمشروع (شركة تطوير القابضة) وعن صاحب العمل (وزارة التربية والتعليم) مع ضرورة وحدة الاستشاري لضمان تحديد المسئوليات في جهة واحدة، وبذلك نصل إلى المستوى المأمول من الحرفية المهنية والابتعاد عن الاجتهاد الارتجالي الذي يؤدي إلى مخرجات غير متجانسة وكلنا أمل في أن يتمكن المشروع من تحقيق تطلعات القيادة وطموحاتنا كمواطنين.
hamad@asas-re.com