عندما نتعمق في التأصيل الإسلامي وخصوصاً في القرون المفضلة نجد أن المذاهب الإسلامية وجودها ليس للتعصب إطلاقا بل هو يصب في الاجتهاد الذي حث عليه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما قال فيما معناه (ان العالم إذا أصاب له أجران وان اخطأ فله أجر واحد) وهذا عملت به المذاهب الإسلامية الأربعة (الحنبلي والشافعي والمالكي والحنفي) فلهذا تجدهم يحترم كل واحد منهم رأي الآخر، ولا ينظر كل واحد منهم أنه على حق والآخر على باطل، فالإمام أحمد صلى مع الإمام الشافعي صلاة الفجر وقنت معه ولم ينكر عليه اجتهاده في القنوت الذي لا يراه إلا في النوازل، وقد تقيد علماء السلف من بعدهم بذلك وما صاحبها من اجتهادات جدت بين العلماء خلال القرون الماضية. أما في هذا العصر فحدث ولا حرج أصبحت المذهبية والتعصب لها تجاوزات لا تمت لما كان عليه جمهور العلماء السابقين، ولم يتوقف الأمر على طلبة العلم بل حتى عامة الناس يخوضون فيها بغير علم نتيجة لتأجيجها من بعض المتحمسين من طلبة العلم الذين لم يتعمقوا في منهج العلماء وتعاملهم مع التأصيل الإسلامي الذي سلكه العلماء. وقد لفت انتباهي عند سماعي أحد الأشرطة الإسلامية الذي يدور موضوعه عن ارتداد مسلم حديث عهد بالإسلام، نتيجة أنه تحمس وأتى إلى بلاد المسلمين ليبحث عن أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، وتفاجأ عند دخوله أحد المساجد في الهند بسؤال أحد المصلين عن مذهبه هل هو حنفي أو شافعي مما جعله يتذمر من هذا السؤال وغيرها من الأسئلة التي وجهت إليه أثناء رحلاته في بعض الدولة العربية والإسلامية، ولكن بفضل الله ثم يقظه أحد العلماء الذي أسلم على يديه اعاده مرة أخرى إلى الإسلام وشرح له أن هؤلاء ليسوا من طلبة العلم، وهم قد يكونون من عامة الناس.. هذا السيناريو يتكرر اليوم بتعصب أكثر حتى أنه وصل إلى التطاول على العلماء المنتمين إلى هذه المذاهب، وهذا خلل قد يصل إلى الأمور العقدية فلهذا لا بد من التصدي له من خلال العلماء والأقسام العلمية المتخصصة في الدراسات الإسلامية في الجامعات العربية والإسلامية ورابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية المعتبرة، وفي حالة قيام هذه الجهات التي أشرت إليها بالتصدي لهذا الانحراف العقدي فسوف تختفي المذهبية بجميع أشكالها لأنها لم تتفشَ بشكل لافت للنظر إلا في السنوات المتأخرة، علماً أن معظم مجتمعاتنا الإسلامية تحترم مرجعياتها وتعتبرها هي المخولة بالتعامل مع التأصيل الإسلامي الموافق للكتاب والسنة.
مكتب التربية العربي لدول الخليج