عندما يفقد الإنسان بصره ويصبح كفيفاً حيث لا يرى إلا الظلام من حوله حينئذ يشعر بأن حياته أصبحت كالعدم يعشعش اليأس في وجدانه، ينهار نفسياً فتموت عزائمه ويعتقد أن كل شيء قد انتهى، ولكن هناك من العظماء الذين لم يستسلموا لهذا الواقع المر بل ازدادوا إصراراً وعزيمة، أي نعم فقدوا أبصارهم ولكن لم يفقدوا ثقتهم بأنفسهم؛ فتخطوا الصعاب بإيمانهم وبإرادتهم وبطموحاتهم الكبيرة، أكفاء أضاؤوا الدنيا بشعاع علمهم وزرعوا الأمل في نفوس البشرية وبرهنوا للجميع كيف يمكن فعل المستحيل بالجد والمصابرة.
لذا وصلوا إلى مكانة لم يصل إليها حتى المبصرون، ومن أولئك الأفاضل الشيخ عبدالعزيز بن باز فقيه الحرمين، حفظ القرآن قبل سن البلوغ؛ فَقَد بصره في سن العشرين فلم يستسلم بل جد في طلب العلم من علماء الرياض، ولما برز في العلوم الشرعية واللغة تم تعيينه في القضاء، ورغم هذا المنصب وغيره من المناصب لازم البحث والتدريس وطلب العلم حتى أصبح عالماً في علم الحديث من حيث الصحة والضعف، وأصبح فيما بعد مفتي المملكة، ويعتبر شيخنا الفاضل مدرسة دينية مهمة تخرج منها العديد من العلماء والمشايخ الذين اقتبسوا من نور هذه المدرسة الخالدة.
وإلى بلاد اليمن وشاعرهم الكبير الأستاذ عبدالله البردوني المنشد البصير، فَقَد بصره في سن الرابعة وانتقل من قرية بردون إلى ذمار فتعلم في مسجدها شيئاً من أصول الدين، وقليلاً من علوم اللغة، ثم انتقل إلى صنعاء فدرس في دار العلوم حتى تمكن في علوم الدين وبرع في علوم العربية وأصبح شاعراً لامعاً وواحداً من أفضل الشعراء العرب في القرن العشرين.
وإلى مصر وأديبها المعروف الدكتور طه حسين والملقب بعميد الأدب العربي، من كبار الأدباء والنقاد، فَقَد بصره فيما كان عمره 3 سنوات، انتقل من قريته إلى القاهرة بحثاً عن العلم فكان له ما أراد فدرس في جامع الأزهر والجامعة الأهلية، ازداد علماً فازداد طموحاً؛ فانتقل إلى فرنسا فدرس في جامعة (السوربون). تولى إدارة جامعة الإسكندرية، ثم أصبح وزيراً للمعارف، وله عدة مؤلفات قيّمة.