لا شك أنّ العلاقات الاقتصادية هي التي تحدد العلاقات الاجتماعية بين الناس والدولة مما يؤثر على القوانين التي يصدرها المشرّع بصياغة جدلية، بحسبان أنّ القوانين تلازم الحياة الإنسانية وتجري معها لتعبر عن مصالح الشعب في حياته وتقدمه، ويأتي هذا السؤال ليثير العديد من الجدل فمن الأولى بالحماية من جانب الحكومة المستهلك أم المنتج..؟
وبالرغم مما جاء في مقدمة قانون حماية المستهلك من أسباب موجبة بأنه هادف لحماية المستهلك وضمان حقوقه لتوفير احتياجاته من المواد الاستهلاكية والأدوية والمياه والسكن والوقاية الصحية والتربية ... وكل ما يحتاج إليه!
إلاّ أنّ الأزمة الاقتصادية السائدة قد هيمنت على أغلبية الشعوب من ذوي الدخول المحدودة فأصبح لا ينعشها في صدور قانون الحماية بعد أن ازدادت نسب البطالة بمعدلات عالية في أوساط العمالة الصناعية الحرفية والمهنية والزراعية وخريجي الجامعات أفقياً وعمودياً وخيم الفقر على أكثرية الشعوب وتسارعت السلع الاستهلاكية في ارتفاع أسعارها بجميع أصنافها منذ أعوام دون ضابط أو رقابة بحيث استُهلك المستهلك من كل شيء، بالإضافة لضعف الرواتب والأجور الرمزية التي يتقاضاها طبقة العمال وأصحاب الحرف والصناعة وتآكلت قوتها الشرائية وأصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع.
بالإضافة إلى تفاقم وتخلخل النظام الاقتصادي الموجّه والذي كان يعتمد اعتماداً أساسياً على مؤسسات القطاع العام وشركاته في تطوير قطاعات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وتحديثها وهي التي أهملت وصُرف النظر عن تأهيلها وإصلاحها وتطويرها وإنقاذها من الإدارات الفاسدة والمفسدين .. للسير في تبنِّي اقتصاد السوق مما يشكل مبرراً منطقياً لشمول هذه الصناعات بمنع استيراد السلع المثيلة والبديلة أو فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع المستوردة نتيجة عرقلة تطور القوى المنتجة الطبيعية والبشرية، فحالت دون تطور مصادر تراكم رأس المال الوطني ورأس المال الصناعي بشكل خاص وشكّلت عقبة أمام تطور الاقتصاد!
إلاّ أننا عندما نرفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة بهدف دعم الصناعيين المحليين لمواجهة تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية ففي المقابل سيتم رفع أسعار السلع المستوردة على اختلاف أنواعها، وخاصة المنتجات الصينية التي تصاعد نسب اعتماد المواطن عليها مؤخراً بسبب انخفاض سعرها (من ملابس إلى أجهزة كهربائية إلى لعب الأطفال إلى معدات استهلاكية ... الخ). عن سعر منافستها الوطنية وكل ذلك في النهاية سوف يرفع من الأعباء المعيشية على المواطن والمستهلك ويجعل الشريحة الكبرى من المستهلكين أمام خيار وحيد وهو شراء السلع الوطنية الأغلى سعراً والتي في بعض الأحيان تقل في جودتها عن نظيرتها من السلع الأخرى كالصينية مثلاً.
وبهذا القرار نكون فضلنا حماية المنتج على حساب المستهلك والمواطن الذي يتحمل تكلفة الحماية والذي حرم من سلع أكثر جودة وأقل تكلفة.
الأمر الذي يجعلنا نشهد تكراراً لتجربة حماية الصناعات الوطنية بصورة مفرطة قد جعلت منها صناعات ضعيفة وذات نوعية متدنية لأنها ليست في ظل المنافسة وأدركت أنّ السوق المحلية لن تستقبل سواها بعد طرد ومنع كل من ينافسها في هذا المجال، وهو ما يعتبره البعض إضراراً بالصناعة الوطنية ذاتها ودافعاً بها إلى الوراء وتجعل السياسات الحمائية للحكومة سبباً في استكانتها وضعف نوعيتها.
ومن جهة أخرى قد يعد هذا إجراء طبيعياً في ظل هذه الأزمة المالية الراهنة، التي تهدد بانهيار الصناعة المحلية تماماً بسبب فقدان أسواق التصدير الأوروبية خارجياً، وارتفاع تكاليف الإنتاج داخلياً، فالأزمة المالية العالمية قد دفعت الدول الصناعية الكبرى بالعودة بقوة إلى السياسات الحمائية لصناعاتها الوطنية كما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، مما يجعل هذا الأمر خطوة طبيعية بل وضرورية في ظل الأزمة الراهنة وإلاّ سنشهد انهياراً كبيراً للصناعة الوطنية الخاصة، وسنفقد آلاف فرص العمل وارتفاعاً في معدلات البطالة وستهرب الكثير من الاستثمارات في هذا البلد بسبب عدم وجود إجراءات حمائية لدعمها وحمايتها..
لذلك فإنّ هذه الأوضاع تتطلّب القيام بمسح شامل ودراسات ميدانية من قِبل وزارة التخطيط ووزارة الصناعة للتعرف على الصناعات التي يمكن إعادة تأهيلها وتطوير إنتاجها وإدخال وسائل الإنتاج الحديثة إليها والتي يفترض أن تتمتع بارتفاع (القيمة المضافة) والمردودات الاقتصادية في حالة إعادة تأهيلها، إضافة إلى أهمية التركيز على الصناعات الضرورية التي يمكن أن تلبي الاحتياجات الماسة والضرورية التي تدخل في الاستعمالات اليومية.
إذن فنحن في حاجة ضرورية لوجود إجراءات حمائية، ولكن ذلك الأمر يستدعي من الدول أخذ دور أساسي في تنويع القاعدة الإنتاجية في البلاد ورسم سياسة صناعية تهدف إلى إرساء قاعدة صناعية تتسم بالكفاءة والقدرة التنافسية من خلال:
1- وضع استراتيجية وطنية حول اتجاهات التطور التنموي الصناعي تأخذ في الحسبان الصناعات المحلية وعملية دعمها وتطويرها وتقديم القروض المالية لإعادة تأهيلها.
2- تأثير التشوهات في البنية الاقتصادية الصناعية ومعالجتها .. من خلال برامج رفع الكفاءة الإنتاجية والأدائية لتلك المشاريع.
3- ضمان دعم الدولة للمشاريع الصناعية ذات الاستخدامات التكنولوجية العالية ومتطلباتها التمويلية الكبيرة وخصوصاً في المجالات التي يتمتع بها كقطاع النفط.
4- تشجيع مبادرات القطاع الخاص واعتماد سياسة وتسهيلات ضريبية تمييزية للمشاريع التي تدخل تقنيات حديثة وجديدة تسهم في استخدام وتصنيع المواد الأولية والخامات المحلية والارتقاء بمنتجاتها لمستوى المنافسة الخارجية.
5- رسم سياسة واقعية للمحافظة على الملاكات العلمية والتقنية والمهارات وبما يجذب الملاكات التي غادرت البلاد.
E_mail:info@othaim-group.com