Al Jazirah NewsPaper Friday  22/05/2009 G Issue 13385
الجمعة 27 جمادى الأول 1430   العدد  13385

كلمات للتأمل
أعاملك بأفضل مما تعاملني

 

على مدى سنوات حياتنا لا حصر للأشخاص الذين هم حولنا من أقارب و أصدقاء ومابين زملاء ورفقاء ومديرين ورؤساء، وإنك إن قمت بتنشيط لذاكرتك وقضيت ساعات طويلة لتحصر أعدادهم فسوف يداهمك كل دقيقة شخص ما ستتذكر أنك نسيته، أكان له دور فاعل في حياتك أم لا, أكان كثير القرب منك أم عابرا في سبيله أم كان سبيلكما ذاته، إلا أنك سوف تتذكره على أية حال كان بها معك أي ستتذكر صورته وشكله وهيئته بكاملها وفي الغالب ستسبق مشاعرك تجاهه ومشاعره تجاهك وسوف تساعدك المواقف الكثيرة التي حصلت بينكما أو بينه وأحد ما على التذكر واسترجاع ملفه الذي تناسته ذاكرتك في ظل مشاغلك في هذه الحياة, وتكون اللحظات رائعة حينما يكون الشخص رائعا وتسعد النفس بتذكره بين أنفسنا بل وحتى وذكره لأحد يحدثنا عنه. وتكون اللحظات محبطة وجالبة لمشاعر الكدر حينما يكون الشخص - طيب الله ذكره - شخصا بائسا مارس بؤسه معك أكان عن قصده أم جهله..

إلا أن الأمر الذي قد يغيب عنا أننا نظل نحمل المشاعر على مر السنوات تجاه شخص ما بل قد يتفاوت هذا الأمر فقد تزيد محبتك لشخص ما لاشتياقك له وأيضا بذات المكيال الذي قد يجور فتزيد مشاعر استيائك لشخص ما لسوء قد عمله معك أم لغيابه الطويل عنك, بينما لا أجمل من أن يظل الإنسان حاملا لمعاني الحب والوفاء ومقدرا لأيام العشرة التي قضاها ولا أتعس من أن يظل الإنسان حاملا لمعاني البغض والحقد على شخص ما عبر أزمان!

وما كل الاستياء الذي يحمله إلا لعدم وعيه بتغذيته لمشاعره الناقمة إما بتحدثه المتكرر عن من أساء إليه أو حفظه الراسخ برغبته لتلك المواقف السيئة التي بدرت منه وإما لأنه لا يجيد فن المشاعر ولا يبدي اشتياقه عندما يقابل أحدهم بعد فترة غياب إلا باللوم والعتاب! فينفض القوم من حوله ويتجنبوا وصله وإن رغبوا.

وإن كان من الأجدى بالمقام الأول أن يبتدئ المرء حياته بطهر قلبي دائم فيكون مرآة صافية تعكس مشاعرها وحدها لا مشاعر غيرها، أي يتعامل مع الكل بأفضل مما يعاملونه لكي يكسبهم فإن هو لم يكتسبهم أراح ذاكرته وروحه ووفر الكثير من المشاعر الطيبة التي تنعش حياته ويسعد بحملها، بل لتغاضى عن المساوئ بثقلها ولرأى الجمال بحسنه البديع في كل ما أمامه. ويظل الطريق الأسمى أن نستدرك ما مضى.

يقول أبو العلاء المعري:

إذا كان إكرامي صديقي واجباً

فإكرامُ نفسي، لا محالةَ، أوْجبُ

لذا أكرم نفسك بدرة السعادة بأن ترتقي بذاتك وتتخذ لك مبدأ في تعاملك مع أي كان بقول: أعاملك بأفضل مما تعاملني، فإن كان كريما معك كنت أكرم وأكرم وإن كان لئيما معك كنت أكرم والسلام.

ولا بأس إن كنت جبلة لديك تستصعب الأمر فطبائع البشر قابلة للتحول الجذري متى ما كانت هناك رغبة وإصرار لأجل متعة وما أمتع من أن ترتقي أرواحنا عن رذائل الصفات وتتحلى بمكارم الأخلاق بمعيار ثابت لا يحيد مع فعل مشين نقابل به ولا ذكرى شائنة نسترجعها بين الفينة والأخرى. (إنك عندما تحرص أن تتذكر الآخرين بالخير فسيتذكرونك بالخير هم أيضا).

هدى ناصر الفريح


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد