وفرت التقنية الحديثة وخصوصاً التقدم العلمي الكبير في الاتصالات مجالاً كبيراً لبروز ظاهرة الإعلام الدولي في الفضاء العربي حيث أصبح ميداناً رحباً لمئات من المحطات الفضائية الدولية والتي تبث برامجها على مدار الساعة في تنافس محموم لكسب المشاهد العربي وهو ما أتاح لها تأثيراً قوياً وهائلاً في توجيه الأحداث وتشكيل العقول، وخصوصاً مع تطور أساليب ومعالجات الإعلام الدولي بشكل مثير وخطير ألغى به مواضع الزمان والمكان حيث لم يعد بإمكان أحد الاستغناء عن الخدمات التي يقدمها فضلاً على أنه لا أحد أيضاً يمكنه أن يعيش حياته بشكل طبيعي دون اتصال وتفاعل مع الأحداث التي ينقلها هذا الإعلام. وفي ظل زيادة حجم تأثير الإعلام الدولي فقد أخذ البعض في منطقتنا العربية يعزو إليه فضل التغيير والتطوير الذي حل بالمجتمع العربي باعتباره محركاً مهماً للأحداث والتغيير في الأفكار والعقول والتي تأخذ وقتاً طويلاً لإحداث التأثير المطلوب في الجماهير حيث لا بد وأن يمر بمراحل كثيرة لكي يحقق الهدف المطلوب وبطبيعة الحال تتباين استجابة الجماهير لهذا الإعلام. فمتى كان بناء الإنسان فكرياً وثقافياً في المجتمع مبنياً على أسس راسخة كلما كان تأثيره بما يبثه هذا الإعلام محدوداً، بعكس لو كان هذا الإنسان لم يتم إعداده فكرياً وحضارياً بشكل جيد كلما أصبح هذا الإنسان أسيراً وصيداً سهلاً لهذا الإعلام.
ولا يخفى أن الدافع الحقيقي لانتشار الإعلام الدولي في منطقتنا العربية وتنافس قنواته على كسب ولاء المشاهد العربي إنما يقف خلفه اهتمام كل دوله في إيصال ثقافتها ولغتها وقيمها الحضارية والعلمية للشعوب الأخرى باعتبارها النموذج الأفضل للحياة بحسب رأيها، ولا ريب أن هوية أي بلد إنما تتكون وتتشكل عبر منظومة ثقافية لا يجب التعاون في الدفاع عنها وحمايتها من العبث والتشويه تحت أي ظرف كان، لذا فمن المهم أن يقوم الإعلام العربي بتأكيد ارتباطه وولائه لجمهوره المحلي وذلك عبر دعم وتشجيع الإعلام المحلي لكل دولة عربية والذي ينبغي أن يلبي احتياجات وتطلعات الإنسان العربي في هذه المجتمعات ويبعده بالتالي عن مخاطر تأثير الإعلام الدولي. ولعل الكثير من الناس قد لاحظ تغييراً حقيقياً في السنوات الأخيرة في اتجاهات الشباب العربي نحو الأخذ بمظاهر الحياة الغربية سواء في اللباس أو في طريقة تسريحة شعر الرأس أو في نمط الغذاء وأسلوب الحياة وهو ما يؤكد خطورة هذا الإعلام وتأثيره المدمر للشخصية الوطنية. ولمواجهة هذا الأمر لا بد من تكاتف جميع الجهود تربوياً وإعلامياً وذلك لتقديم برامج ومعالجات رائدة وفق أساليب علمية وتقدم بأساليب جذابة ومثيرة للاهتمام والمتابعة.
malmadi777@hotmail.com