تحقيق - حماد الرويان
مئات بل آلاف من خريجات معاهد المعلمات أمضين السنوات الطوال من الأمل والانتظار يحلمن بالتعيين، غير أن آمالهن تطير مع الريح، وتوجهت أعداد منهن لمدارس أهلية أو بعقود مؤقتة برواتب متدنية وبمناطق نائية عن سكناهن يتحملن المشقة في سبيل الستر ولقمة العيش، وآلاف منهن نفد صبرهن وكلت أقدامهن من السعي بين الدواوين الرسمية فأوكلن محامياً للمطالبة بدلاً عنهن، فماذا كان من أمر المحامي؟!
الجواب بين السطور التالية..
حديث عن المعاناة
* تحدثت رقية الشمري - إحدى خريجات معهد معلمات حائل- حيث ذكرت أنها إحدى خريجات المعهد عام 1417- 1418هـ بتقدير (جيد جداً) وأنه تم تعيين جميع خريجات الدفعات السابقة بمختلف التقديرات وتعيين زميلاتها الحاصلات على تقدير ممتاز بعد التخرج مباشرة، بينما حرمت هي ومثيلاتها من التعيين، وتضيف الشمري: فقد تعاقدوا معي على بند محو الأمية لمدة أربع سنوات في قرية تبعد عن مدينتا 180 كيلو متراً، وعانيت خلال هذه السنوات ألوان المتاعب وصبرت على أمل التثبيت أو التعيين، وفي هذا العام تم إلغاء عقودنا جميعاً ولم تشفع لنا خبراتنا الطويلة بالتدريس، وأصبحنا ضائعات بين وزارة التربية والخدمة المدنية..
* أما حصة البلوي فتقول تخرجت من معهد المعلمات بالوجه منذ أكثر من 13 عاماً، ولم أتعين، فحاولت جاهدة تطوير نفسي وإكمال دراستي بالحصول على عددٍ من الشهادات والدورات في الحاسب الآلي، وبعد ذلك حصلت على عقد بالفترة الصباحية لمدة أربع سنوات في قرية نائية عملت خلالها بتدريس الصفوف الأولية عملت فيها عملاً مضاعفاً تدريساً وإدارةً ونشاطاً، إلى أن تم اختياري مديرة مدرسة ثم قامت التربية بإلغاء عقدي، وبقيت المدرسة دون مديرة حتى الآن.
وتذكر سلوى محمد - من منطقة حائل - أنه تم تعيين عشر خريجات من خريجات الدفعة التي بعدنا، وبعد نحو ثلاث سنوات قامت الوزارة- أيضاً- بتعيين خمس خريجات من الدفعة التي بعدنا بعامين ولم تراع أقدمية التخرج مع أنهن تقديرنا نفسه جيد جداً، وتضيف: بعد مضي سبع سنوات على تخرجنا اتضح لنا وجود عجز كبير في معلمات المدارس الابتدائية في المناطق النائية التي في الحدود الإدارية للمعهد الذي تخرجنا منه بسبب النقل الخارجي، وحينذاك طالبت مجموعة من الخريجات بالتعيين لكنه تم تعيين خريجات بكالوريوس حديثات التخرج من خارج تلك القرى مع وجودنا قابعات في منازلنا بجوار هذه المدارس، ناشدت باسمها واسم زميلاتها المسؤولين حل مشكلتهن التي ظلت سنين طويلة دون أن تجد حلاً يخفف آلامهن.
ومن مدينة أبها ذكرت لنا سرا الشهراني - خريجة معهد إعداد معلمات عام 1416- 1417هـ بتقدير: جيد جداً مع دبلوم حاسب آلي - أنه تم التعاقد معها لمدة خمس سنوات والسنة الحالية على بند الساعات في منطقة نائية، وفي منطقة تكاد تكون مهجورة ولا يوجد بها تغطية لشبكة الهاتف المحمول، حتى ان كثيراً من السائقين يرفضون الذهاب إليها، ولكن تحملت كل ذلك في سبيل الحصول على وظيفة.
وقالت: لم يشفع لي أدائي الوظيفي طيلة تلك السنوات في التثبيت، وقبل نحو عام قمت مع عددٍ من الخريجات بتوكيل محامٍ لم يكن أحسن حالاً من وزارة التربية، فقد أخذ يماطلنا، ورفض أن يخبرنا بمسار القضية وتطوراتها، وتلقي الشهراني باللائمة على المحامي فتقول: لعب بمشاعرنا واستغل نقطة ضعفنا، وتجاهلنا لمدة زادت على السنة، ولذلك سنقوم بفسخ الوكالة التي منحناه إياها.
* ومن منطقة الحدود الشمالية تؤكد سامية عبدالله أن معاناتهن مع المحامي لا تقل عن معاناتهن مع الجهات المسؤولة التي أوصدت الأبواب أمامهن، وأن المحامي الذي قبل الترافع بقضيتهن مقابل أن تدفع كل خريجة خمسة آلاف ريال ووكالة شرعية خاصة وقام شقيقي بتسليم الوكالة الشرعية مع مقدم أتعاب الترافع البالغة (2000) ريال إلى مكتب المحامي الذي لم يظهر لنا أي تحرك، ولم نتمكن من استعادة ما دفعناه من أموال.
* ومن رفحاء طالب عقلا الرخيص والد إحدى الخريجات مراعاة وضع خريجات معهد المعلمات الحالي وذلك بتعيينهن في أي وظيفة (تعليمية أو إدارية) لتكفل لهن الاستقرار والمعيشة الحسنة، حيث مضت معظمهن بالخدمة عدداً من السنين قد يتجاوز (13) عاماً متنقلات بين قرى نائية وبعيدة جداً عن مقر سكنهن براتب قليل جداً على أمل أن يشملهن التعيين ولكن بعد كل هذه المشاق وهذا التعب يتفاجأن بالاستغناء عن خدمتهن وطردهن من العمل حيث جاء هذا القرار ليشكل صدمة قوية لهن، فالكثير منهن تعتمد على دخل هذه الوظيفة بعد الله في شؤون حياة أسرتها بالكامل.. فهل ستظل هذه الشهادات حبيسة الأدراج، وهل سيذهب كفاحهن وتعبهن طوال السنوات سدى؟!
أين ذهب المحامي؟!
«الجزيرة» علمت من مصادرها الخاصة بأن أكثر من (4000) خريجة قمن بتوكيله وإرسال الوكالات إلى عنوانه على أمل انفراج قضيتهن على يديه لكن انتظارهن طال، وأخذ يماطلهن- كما ذكرن- ويتعذر بجمع الوكالات، وكلما حاولن الاستفسار عن القضية كان رد المستشارين في مكتبه لا نزال نجمع الوكالات والشيخ لم يباشر القضية بعد ويطلب إعطاءه مهلة جديدة، وفي الفترة الأخيرة أصبح المحامي ومستشاروه لا يردون على الاتصالات، ولمعرفة تفاصيل الحقيقة أجرت (الجزيرة) اتصالات متكررة على المحامي فكان جواله مغلقاً طيلة فترة الاتصالات، ثم اتصلت على موظفي مكتبه الذين أكدوا أن الوكالات صحيحة، وأن هناك عدداً مماثلاً من الخريجات قمن بإرسال بياناتهن عبر رسائل جوال إلى المكتب من أجل أن يترافع في قضيتهن، وبسؤال هذا الموظف عن الخطوات التي تمت بشأن هذه القضية أفاد بأنه سبق وأن قابل المحامي مسؤولين في وزارة الخدمة المدنية لحل هذه القضية، ولكنه لم يخرج بنتيجة، مؤكداً أنه سيقوم في القريب بمقابلة سمو وزير التربية والتعليم وعرض ملف هذه المشكلة على سموه.
من جهة أخرى أوضح خالد الجعيد رئيس اللجنة الإعلامية لمعلمي ومعلمات المملكة أن معاناة خريجات المعاهد والكليات المتوسطة بدأت منذ تخرجهن من تلك المعاهد قبل أكثر من (13) عاماً، مشيراً إلى أن منتدى معلمي ومعلمات المملكة تبنى قضيتهن منذ أكثر من عام بعد افتتاح قسم خاص بهن والاتفاق مع إحدى مجموعات المحاماة والاستشارات القانونية للترافع في قضيتهن، ويضيف الجعيد: ملف قضيتهن - على حد زعم محاميهن - سيكون ضمن الملفات التي سيعرضها المحامي خلال الأيام القادمة على سمو وزير التربية الأمير فيصل بن عبد الله آل سعود، خصوصاً بعد ارتفاع طلبات التوكيل والبيانات إلى أكثر من 8000 طلب.