Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الواقع والمأمول
د. عبدالله بن فهد اللحيدان

 

تعتبر المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تجربة فريدة في العصر الحديث، حيث ظلت متمسكة بالإسلام عقيدة وشريعة، ولا شك أن هذا شكّل تحدياً في بعض الجوانب، إلا أن إصرار القيادة جعل هذه البالد نموذجاً يثبت صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان وتحولت المملكة لقدوة لدول العالم الإسلامي التي عانت من أنظمة حكم حاولت تقليد الأنظمة الغربية باعتبار أن هذا ضرورة في العصر الحديث. وبعد فشل تجارب التقليد ظهرت في العالم الإسلامي حركات تدعو إلى الحكم الإسلامي بشكل كامل أو بشكل جزئي.

ومن ضمن مظهر الحكم الإسلامي في المملكة تأسيس هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ من المعلوم أن أوجب الواجبات على المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. وقال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} ومن السنة النبوية ما ورد في مسند أحمد بإسناد صحيح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، وإن المؤمنين إذا أنكروا المنكر أدوا الواجب الذي عليهم ولا يضرهم بعد ذلك ضلال من ضل. وفي مسند أحمد بإسناد حسن قال صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب). وفي صحيح البخاري ما ذكر من حديث أصحاب السفينة عندما أرادوا الذين هم أسفلها خرق السفينة لشرب الماء فإذا لم ينكر عليهم أهل السفينة غرقت بكل من فيها ولا شك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات ينظمها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.ولتنظيم عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد تأسست هيئة رسمية حتى لا يكون هذا الواجب العظيم متروكاً للاجتهادات الفردية وسبباً للفوضى إما الانكار باللسان مثل الكتابة للمسئولين أو الكتابة في الصحف والحديث في ذلك وتوعية المجتمع بضرورة إنكار المنكر ثم إذا تعذر الإنكار باللسان فيجب على المسلمين الإنكار بالقلب وهو أضعف الإيمان، ولا شك إن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبحت مثالاً يحتذى، حيث طرحت مؤخراً دعوات في بعض البلدان الإسلامية لتأسيس هيئات الأمر بالمعروف ومنها اليمن ومصر والمغرب.وتساهم هيئات الأمر بالمعروف في حماية مجتمعنا من عدد من الظواهر التي انتشرت مع الأسف في بعض البلاد الإسلامية مثل الدعارة والخمور والمخدرات. كما تقوم الهيئات بحماية المجتمع من بعض السلوكيات غير الإسلامية مثل المعاكسات للشباب والتبرج للنساء ومحاربة انتشار السحر والشعوذة والأعمال الشركية ومع أن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محل تقدير من قادة هذا البلاد وعلمائها وأهلها إلا أن الهيئات لا زالت بحاجة إلى التطوير في بعض أساليبها ومن المقترحات التي أراها ضرورية حالياً ما يلي:

1- بالنسبة لمحاربة المعاكسات للشباب والتبرج للنساء وهو أكثر ما يكون في الأسواق التجارية، فالأسلوب المعمول به حالياً هو أن يقوم عضو الهيئة بنهي الشاب أو المرأة عن هذا ونتيجة لضعف الوعي الإسلامي فإن المنهي قد تأخذه العزة بالإثم ويرد على عضو الهيئة ويكون هناك ملاسنات وارتفاع الأصوات وهو مظهر سيئ للمجتمع المسلم خصوصاً وأن المملكة باتت تحت المجهر من وسائل الإعلام الدولية، وأرى أن يشترط على ملاك أي سوق شرط توفير كاميرات للمراقبة في كافة أنحاء السوق كما يوضع في أماكن مختلفة من السوق أو من المتنزه أو أماكن الترفيه والمطاعم ما يوضح أن أي مظاهر غير أخلاقية ستؤدي لمرتكبها إلى الطرد من هنا السوق أو المتنزه. ويكون تواجد عضو الهيئة في غرفة المراقبة المركزية، وعلى صاحب السوق توفير رجال لحفظ الأمن (سيكورتي) يعملون تحت إشراف عضو الهيئة، بحيث إذا رأى عضو الهيئة مخالفة فيوجه أحد أفراد الأمن بالطلب من هذا المخالف مغادرة السوق بهدوء.

2- لابد من وجود لجنة علمية في الهيئات تدرس بعض الأمور وتعطي توضيحات للأعضاء الميدانيين فيما يتعلق بالمستجدات لإنهاء الاجتهادات الفردية للأعضاء. ومن المعلوم أن بعض الأعضاء يجتهد في بعض الأمور مثل كم العباية للنساء، أو زخرفة العباية حتى ولو كانت الزخرفة من نفس لون العباية. والمهم أن يكون الحجاب ساتراً وفضفاضاً، أما بعض العبايات فهي مما ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم (كاسيات عاريات) وهي مسائل دقيقة ولكنها تسبب إشكالات فلابد من وجود لجنة علمية توجه الأعضاء في كيفية الإنكار والتدرج فيه وصولاً لتصحيح بعض المظاهر التي انتشرت في المجتمع في الآونة الأخيرة.

3- أعتقد أن الوقت قد حان لتقوم الهيئة في التفكير بمجالات جديدة للعمل مثل مجالات البحث العلمي لرصد الظواهر السلبية واقتراح لمحاربتها ووضع إستراتيجيات تدريجية لذلك. كما أن الإعلام مجال هام من مجالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن خلاله تستطيع الهيئات توعية الناس بذلك وبالتالي الحصول على تعاونهم للقيام بواجباتها.

4- كانت الهيئات تقوم في السابق ببعض المهمات الأخرى مثل محاربة الغش في الأسواق ولا شك أن هذه المسؤولية انتقلت إلى وزارة التجارة وهيئة المواصفات والمقاييس، لكن لا يمنع أن يكون هناك تعاون بين الجهتين، كما اعتقد أن لابد من وجود تعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لأن الفقر والتفكك الأسري هي أبرز أسباب الانحراف التي تؤدي إلى رواج بعض المظاهر السلبية والتي تبدأ بالتبرج لتنتهي بالدعارة والمخدرات وغيرها.

وفي الختام أريد أن أهمس في أذن كل أعضاء الهيئة أن هذه البلاد قيادة وشعباً تقدر ما تقومون به ولكن تقع علينا جميعاً مسؤولية إثبات نجاح النظام الإسلامي الصحيح والمعتدل لقيادة العالم الإسلامي، بل وهداية البشر أجمع للتقدم والتطور وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المساعد للشؤون الإسلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد