Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312

رحمك الله أبا عبدالله
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف

 

فلا جزع أن فرق الدهر بيننا

فكل امرئ يوماً به الدهر فاجع

الدنيا صفاؤها قليل، وأكدارها وأحزانها تتوالى على الكثير من البشر، ومصائبها جمة، من حوادث وكوارث أو فقد غال ورحيل قريب أو جار، فكل ذلك من سنن الحياة، حياة فموت ثم بعث ليوم النشور، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}

فالله سبحانه هو الخالق البارئ المصور، ومقدر الآجال لكل من دب على أديم هذا الكوكب الأرضي، وسبح في مياه الأنهار، وجال في أعماق البحار والمحيطات فنهاية كل كائن حي أن يرحل عن هذا الوجود عالاً أو آجلاً، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}

في صباح يوم الاثنين 5-3-1430هـ اتصل بي أحد الإخوة عبر الهاتف قائلا إن الأستاذ الفاضل عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز المشعل قد استوفى نصيبه من أيام الدنيا قبيل منتصف ليلة البارحة ملوحاً بالرحيل إلى الدار الباقية، فكان سماع هذا النبأ موجعاً للنفس، كيف لا وقد جمعتنا به أيام وليالي جميلة فترة دراسته بالمرحلتين الابتدائية ومعهد المعلمين لدينا ثم العمل معنا سنوات عدة كمساعد ومشرف على شؤون الطلبة تغمده الله بواسع رحمته لقد خيم الخزن على أجواء أبنائه وأسرته ومحبيه بفقده واختفائه عن نواظرهم اختفاء أبدياً إلى أن يأذن الله بخروج جميع الخلائق من أجاثهم، ووقوفه لسؤالهم عن محصلات الصدور يوم العرض الأكبر على الله:

غدا توفى النفوس ما عملت

ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم

وإن أساؤوا فبئس ما عملوا

راجين من المولى المغفرة وحسن الوفادة لأبي عبدالله -رحمة الله عليه- فلقد عاش بين أسرته ومجتمعه محمود السجايا في صفاته وتعامله أثناء مزاولته العمل الحكومي وفي أعماله الخاصة ومع جيرانه وزملائه.

فهو أثناء دراسته من الطلاب المثاليين في الجد والمثابرة في التحصيل العلمي واحترام معلميه حتى نال شهادة كفاءة المعلمين المؤهلة لمزاولة التدريس بالمرحلة الابتدائية لندرة وشح حملة الشهادات العالية آنذاك.

فَوُجه معلما ببلدة سدوس المتاخمة لمحافظة حريملاء ثم انتقل إلى الخرج ليعمل بإحدى مدارس السيح، وبعده طلبنا نقله إلى حريملاء كمساعد ومراقب للطلبة بالمرحلة المتوسطة والثانوية لثقتنا التامة في تعاونه وتفانيه في أداء عمله وإخلاصه، وظل متعاوناً معنا عدداً من السنين، ثم سنحت له فرصة الترقية، فانتقل إلى مصلحة الضمان الاجتماعي أمينا للصندوق، وبعد فترة من الزمن طلب التقاعد مبكراً وتفرغ لمزاولة أعماله الخاصة.

اتسم -رحمه الله- بصفات التسامح وحسن التعامل وإمهال المعسرين من عملائه في تسديد بعض ما يطلب منهم، كما عرف عنه الهدوء والابتعاد عن التشاجر والتشاحن، والإعراض عن مساوئ الناس، والتنازل عن بعض حقوقه لوجه الله، فالمرونة والمروءة من طبعه السليم.

ولنا معه ذكريات جميلة لا تغيب عن خواطرنا، ولا سيما ذكريات الرحلات البرية وما يتخللها من أحاديث السمر والمساجلات الشعرية، وتبادل الطرائف، والرحلة لمدينة القويعية عام 1389هـ حيث انتدبت الرئاسة لجان الاختبارات بها وما حولها من القرى والأرياف، فسرنا على بركة الله من حريملاء حتى وصلنا تلك المدينة المشار إليها، وكان الأستاذ أبو عبدالله عضوا في الملاحظة والمراقبة، فكل المواقف المشرفة معه باقية في شعاب النفس مدى الأيام:

فإن تكن الأيام فرقْنَ بيننا

فقد بان مني في تذكره العذرُ

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وأبنائه وبناته وعقيلته الصبر والسلوان... {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد