Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/03/2009 G Issue 13307
الخميس 08 ربيع الأول 1430   العدد  13307
قراءة في كتاب (إدارة التوحش) (2)
الحياديّة .. استقطاب حركي والاستقطاب خيانة
عبدالله بن ثاني

 

ابتداء وضرورة لابد من الوقوف على سؤالين مرتبطين بفهم أبواب الكتاب:

1- ما علاقة نشر التوحش في مجتمعاتنا الإسلامية بالفوضى الخلاقة التي طرحت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتأكيد على أن هذه التنظيمات الحركية السرية تطل في كل أزمة لتؤدي دورا بامتياز للقوى الأخرى من حيث لا تشعر؟

2- لماذا يعد التنظيم من يلتزم الحياد في المواجهات مع الدول من الفئة الثانية ممن نجح معهم الاستقطاب؟ ومما يعيننا عن جواب السؤال الأول فهم الفوضى الخلاقة (المنظمة) التي طرحت للمساعدة في تغيير واقع العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتتناول الدين والثقافة والأخلاق وتعتمد عليها بمنهجية وبرامج (منظمة).. تخلق (الفوضى) في الواقع كرغبة وتوجه للتغيير والتطوير، في العقول، وأنماط التفكير، والتوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية لتسود الفوضى في كل مكان وركن ذاتي وعام، ليتم بعدها (لملمة الخيوط) وخلق نظام جديد من هذه الفوضى السائدة والمنتشرة والرضا بأي مخلص تنتهي على يده الفوضى ومثل هذا يسعى إليه المتوحشون، قال ناجي ص 7: وعوامل انهيار هذا الكيان عديدة تتلخص في عبارة (عوامل الفناء الحضاري) مثل الفساد العقدي والانهيار الخلقي والمظالم الاجتماعية والترف والأنانية وتقديم الملذات وحب الدنيا على كل القيم.. وقال أيضا: إن الضعف الاقتصادي الناشئ عن تكاليف الحرب أو الناشئ عن توجيه ضربات النكاية مباشرة إلى الاقتصاد (البترول) هو أهم عوامل الفناء الحضاري.. وقال أيضا ص 19( ينبغي علينا ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعا إلا أننا يجب أن نركز على الأهداف الاقتصادية وخاصة البترول..) ومن ينعم النظر ويمعن الفكر يجد أن من أهم أدوات الفوضى الخلاقة التي بدأت تعمل معاولها الصلدة على أرض الواقع نشر الثقافة القبلية المقززة والعصبيات الطائفية وتفكيك النسيج الوطني عن طريق توزيع الولاءات للأقاليم والقبائل والطوائف وتعميم ثقافة التخلف ويجد مثل هذه السياسة في المقابل على يد رموز تنظيم القاعدة الذين يؤججون الصراع الطائفي ضد الشيعة في العراق ثم يؤيدون حزب الله في لبنان في صورة متناقضة تؤكد عدم وضوح الرؤية الشرعية، ويدرك ناجي مؤلف إدارة التوحش والقوى التي طرحت الفوضى الخلاقة ان الحاجز الرئيس أمام تحقيق مشروعات كهذه في المجتمعات الإسلامية تنمية الوطنية ومفهومها في نفوس المواطنين، ولذلك لا يجد حرجا من الضرب على هذا الوتر حينما ينقل قول الشيخ العلامة (بزعمه) عمر محمود أبو عمر فك الله أسره على حد زعمه (وهنا لابد من التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة السننية لسقوط الحضارات وبنائها. وأما الجواب عن السؤال الآخر فنبدأ به من فهم مصطلح الاستقطاب قال ناجي: جر الشعوب إلى معركة بحيث يحدث بين الناس كل الناس استقطاب، فيذهب فريق منهم إلى جانب أهل الحق وفريق إلى جانب أهل الباطل ويتبقى فريق ثالث محايد ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر، وعلينا جذب تعاطف هذا الفريق وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان (كما يزعم)، خاصة أنه قد يكون لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المعركة الحالية، وحينما نفحص واقعنا بموضوعية وتجرد نجد ان المحايدين كثير من حيث لا يشعرون وبخاصة في ظل نشر ثقافة ان الذي يحارب هذا الفكر ممن يؤمن بالتصنيف ويثير الفتنة وبناء عليه يتم إقصاؤه وإبعاده بطريقة لا تخلو من دهاء حزبي وذكاء حركي يحتم علينا مراجعة دقيقة لمعايير الولاء الصريح والكفاءة الحقيقية، وليس على ما يبدو أنه ولاء، بل إننا نجد أنفسنا أمام تيارات باطنية تتقلب وتتلون حتى اختلط علينا الصدق بالكذب فتشجب وتستنكر ما تؤمن به في شيفرات يفهمها الأتباع جيدا حتى قال صلاح الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات ص 265: هذا ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عمليا إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد، أمكنه معه أن يتفق على الترخيص في شيء من ذلك ترجيحا لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس (مناصب الحكومة) بغير تشويش ولا إثارة والأخطر من ذلك دخولهم في تلك المجالس بباطنيتهم ونفاقهم وولائهم المزيف تحت مبدأ التصالح والاحتواء مع أن كثيرا من فقهاء الإسلام ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية تكلموا في مسألة تمكين هؤلاء إذ لا ثقة بمن كان منهجه التقية والباطنية. أن الحيادية في التحذير من هذا الفكر والتستر على أتباعه لا تقبل من بعض الدعاة والأئمة والخطباء والمدرسين والإعلاميين وشيوخ القبائل وعمد الأسر والمسؤولين على السواء بحجة أنه من مسؤولية الجهات الأمنية لأن القضية قضية مجتمع وكل مواطن شريف هو رجل أمن ابتداء مع ضرورة تحرير المصطلحات وتحديد مفهومها حتى لا تختلط الأوراق وتلتبس على الأحداث، ومن ذلك استعمال مصطلح (الحرابة) بدل (الإرهاب)، وبخاصة أن الحركيين يفرحون بإطلاق أي مصطلح إسلامي عليهم وعلى فعلهم كالسلفية الجهادية مثلا تسويغا لمشروعهم عند الدهماء والغوغاء وعامة الناس، ويستدلون بقوله تعالى (ترهبون به عدو الله) والصواب ان ما يفعلونه حرابة واعتداء، والحرابة هي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال والاعتداء على الأعراض وترويع للآمنين، والحكم الشرعي للحرابة ثابت ومعروف وبخاصة أن ولي الأمر قد طلب منهم التوبة وتسليم أنفسهم وهذه يفسره قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34) سورة المائدة. وفي مقابل ذلك نجح المسؤولون بإطلاق مصطلح الفئة الضالة على هؤلاء لأنهم يقاتلون ويروعون ويتوحشون بلا تأويل سائغ بدل مصطلح الخوارج والبغاة الذين يقاتلون بتأويل سائغ، ويمكن رصد عدد من الملحوظات المهمة في التمهيد، المبحث الموسوم ب(النظام الذي يدير العالم منذ حقبة سايكس بيكو ص 5-10): 1- التباكي على سقوط الخلافة العثمانية بذكاء يشحذ همم الشباب الأحداث لعودة الخلافة عن طريق الثورات والتخريب والتفجير والبغي وتفسير موقف الإمام عبدالعزيز منها على غير هدى، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، روج لها الحركيون لتسويغ توحشهم وخروجهم مع ان الفرق بين حالة العالم الإسلامي في تلك الفترة تختلف عن حاله في هذه الفترة التي لا يقبل الحق فيها تزييفا أو تسويغا، ولو فحصنا بموضوعية تلك الحقبة من تاريخ الإسلام لأدركنا ما يلي:

أ- ان الخلافة العثمانية التي كانت تنشر البدع وخرافات القبور والأضرحة بالأدلة الوثائق وإرسالها جيوش محمد علي باشا للقضاء على دعوة التوحيد في (الجزيرة) واعتقال أئمة الدعوة السلفية وسجنهم في مصر والاستانة كانت ضعيفة حتى سميت بالرجل المريض قبل تأسيس الملك عبدالعزيز ناصر التوحيد والسنة للدولة السعودية الثالثة بدخوله الرياض عام 1902، وبعد ذلك بست سنوات في عام 1908م - 1326هـ، تهدمت فيه حقيقة الخلافة الإسلامية المتمثلة بالخلافة العثمانية، على يد بعض الجمعيات العلمانية بحركات ضد السلطان عبدالحميد، تحت أسماء مختلفة أهمها حركة تركيا الفتاة، وحركة حزب الاتحاد والترقي ولا يمكن لمسلم موحد مثل الإمام أن يتبع هذه الحركات والأحزاب الكافرة وهؤلاء العلمانيين.. وتمكنت هذه الجمعيات أخيرا من الثورة سنة 1326هـ وإسقاط السلطان عبدالحميد 1327هـ ووقف اتاتورك يقول وهو يفتتح جلسة البرلمان التركي عام 1923م (نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون)، ومما يؤكد ضعف السلطان العثماني إرغام العلمانيين منذ وقت مبكر السلطان على الوقوف مع ألمانيا بدليل بعض وثائق الحرب العالمية الأولى عام 1914م ومن أهمها وثيقة في 14 ايلول: اطلب من ستوزر ان يرسل من قبلي رسولا سريا يجري اختياره بحذر إلى الشريف عبدالله للتأكد هل سيقف هو ووالده وعرب الحجاز إلى جانبنا أو سيكون ضدنا فيما إذا تمكن النفوذ الألماني المسلح في اسطنبول من إرغام السلطان رغم إرادته وإرغام الباب العالي للقيام بأعمال عدوانية وحربية معادية لبريطانيا العظمى. ب- كانت السيطرة في وسط (الجزيرة) لبعض الأسر والقبائل، وأما الاطراف فكانت تحت وصايات بريطانيا ومندوبيها ولا أدل على معاهدتها العسكرية عام 1318هـ قبل فتح الرياض بسنة مع حكومات خليجية، وكان الإمام يراقب ذلك بحذر. ج- أدرك الإمام عبدالعزيز أهمية السياسة والدهاء في الاستفادة من جميع الأطراف، ولم يختر عداوة العثمانيين إذ اعترف العثمانيون بضمه الأحساء والقطيف وتصالحوا على شروط ومنحوه الوسام المجيدي من الدرجة الأولى عام 1914 وتجاهل الثورة العربية الكبرى في مايو عام 1916م التي أعلنها الشريف حسين الذي وعدته بريطانيا أن يكون ملكا على العرب بل إنه رفض طلب بريطانيا على لسان السير برسي كوكس في أواخر عام 1916م مساعدته ليكون خليفة على المسلمين محتجا أن الخلافة الإسلامية لا تقررها بريطانيا، وللحديث بقية.. والله من وراء القصد.



abnthani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد