Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/02/2009 G Issue 13293
الخميس 24 صفر 1430   العدد  13293
فيروس
ناصر محمد العمري

 

يهذي بجدية دائمة وتتراقص وجناته وتحمر عيناه ويتساقط العرق من أعلى جبهته محذراً دوماً أن الموظفين الجدد هم عالة على الشركة لا يقدرون المسؤولية ويفتقرون إلى الولاء للوظيفة.. كبرياء طاعن في السن يسكن زواياه بصلف يزاحم كبرياءه نبضات قلبه، والكريات الملونة في دمه، ذلك الكبرياء العجوز يحاذي بمنكبيه شيطاناً مندساً في دمه يتسابقان في مجراه، يمشي الخيلاء كطاووس منتش، لم يتبق من الحواجب إلا آثارها كبقايا خطوط مهترئة، ومع هذا يرتدي ثياباً أنيقة لم تفلح في ستر ثقوب روحية يعانيها.. مشهد يومي أدمنه الزملاء: يرن الجرس محدثاً دوياً مزعجاً في أرجاء الدور الأرضي ليدلف العم (سعد) إلى الداخل يجاهد الخطى تسبقه أنفاسه الوجلة ليستطلع الأمر.

يصيح الرئيس مزمجراً: (أريد طارق) - مع أن الهاتف يقبع إلى يمينه لكن يبدو أنه منحه إجازة.

يخرج سعد مهرولاً نحو غرفة (التقني جداً) طارق فيجده منهمكاً يريد إرسال تقرير عن مشروع التوسعة إلكترونياً إلى الإدارة الرئيسة.

يجلده بسياط عبارة (الرئيس يريدك فوراً) يعطي (طارق) للجهاز أمراً بإرسال التقرير إلى بريد الإدارة العامة.

ثم يذهب نحو مكتب الرئيس مرتدياً لباس الخوف يجد نفسه لا شعورياً يجري يحاول طي المسافة القصيرة أمام سرعته يتجاوز مكتب الرئيس بمكتبين ثم يعود أدراجه.

يمرق من بين السكرتير ومدير المكتب والمستخدمين الثلاثة إلى الداخل حيث مكتب سعادته

يصيح فيه الرئيس من الداخل غاضباً: إلى أين؟

يدقق الرئيس النظر في وجهة وهو يفيض غضباً..

لقد دخل بحذائه وهذا لا يجوز بل إن الدخول أصلاً قد يكون غير جائز.

يسأله عن التقرير فيرد بأنه أرسله.

ينفجر غضباً: مع مَن أرسلته؟

إنها عادة (الصياح كل صباح ليس إلا)..

هكذا يعتقد (طارق) ثم يستجمع قواه ليجيب: أرسلته عبر الفضاء.

يحدجه الرئيس بعنف: أي فضاء؟ هل تستهزء بي؟

يرد طارق: لا قدر الله أقصد أرسله إلكترونياً..

يصيح في وجهه: أضعتم الأنظمة بهذه الممارسات الفارغة وهمشتم المسؤول وتجاوزتم المرجعية وعطلتم الموظفين.

أي فضاء هذا الذي يحمل تقريراً نحتاج إلى إرساله إلى الإدارة الرئيسية مطبوعاً؟ من يوقع لك على استلامه الآن؟ وما دور المراسلين الثلاثة القابعين دون عمل عند باب مكتبي؟

يرد عليه طارق مرتعداً: ولكن أطال الله في عمرك تم اعتماد التبادل الإلكتروني في تعاملات الأقسام مع الإدارة الرئيسية وقبل أيام تم تدشين مشروع (الإدارة الرقمية) لشركتنا وجميع تعاملاتنا ستكون إلكترونياً..

يحملق فيه بغضب ثم يردف: اسمع إذا لم يأت تقريرك مطبوعاً وأطلع عليه وأعتمده فلن أتحمل مسؤوليته وسأحيلك إلى وحدة المتابعة للتحقيق معك في تأخير التقرير وسيأتيك خطاب رسمي الآن بموعد تسليم التقرير مطبوعاً بعد تغليفه تغليفاً فاخراً... هل فهمت؟

يغادر غرفة الرئيس وهو متذمر من هذا الوضع...

إلى متى سيظل الأمر بيد مثل هذا الرجل؟

إلى متى ونحن نرسف تحت أغلال هذا الفكر القديم؟

ما فائدة خطوط الهاتف وأجهزة الحاسب التي تزين مكاتبنا؟

ما فائدة اختراع البريد الإلكتروني والتعاملات الرقمية والتبادل الإلكتروني إذاً؟

يقفل طارق عائداً نحو مكتبه بتثاقل. يرتمي خلف شاشة الحاسوب.. يفتح محرك البحث (قوقل) يدخل عبارة WWW نفسي COM. لتأتي على المتصفح عبارة THIS PAGE CAN NOTNOW BE DESBLID

يدخل (سمير) ليشاهد ما يفعله طارق بدهشة

ماذا تفعل يا طارق؟

يجيبه: أبحث عن نفسي على هذه الشبكة.

ألم تسمع بقول سقراط: اعرف نفسك؟

وقال آخر ذات تجلٍّ: أجهل الناس من جهل نفسه.

يقاطعه (سمير):

يا رجل.. دعك من هذا وابحث عن نفسك هنا على أرض الواقع الحقيقي..

يستدير طارق نحو الجدار.. قد أجدها في الواقع الافتراضي أو السكند لايف يا سمير.. ويتابع:

سعيد جداً من رأى حقيقته أمامه طوال الوقت يراقبها..

سأهديها الرئيس حقيقته لو نجح بحثي هذا..

يقاطعه سمير: يا عزيزي.. هناك حقيقة مفادها أنك تستغرق وقتاً أطول عندما تبحث عن نفسك بهذه الطريقة بل قد لا تجدها؛ لأن هناك جدار حماية على ما يبدو يصعب اختراقه..

وهناك صعوبات في الشبكة حالياً يا طارق.

يتابع (سمير): سأعطيك مثالاً:

لو أردت أن تتصل بجوالك من جوالك إلا يعني هذا أن الإرسال سينطلق من جوالك إلى محطة الإرسال ثم يعود إلى جوالك؟

هل سيستغرق وقتاً أقل أم أكثر من لو كان اتصالك بجوالك دون البحث عن شبكة؟

يهز طارق رأسه ويجيب:

لو اتصلت بجوالي دون شبكة فهذا أسرع، لكنه غير متاح حالياً يا صديقي..

فيما يحاول أن يتابع سمير شرحه لهذه القضية الشائكة..

يدفن طارقاً وجهه بين يديه..

يرفع رأسه ووجهه شديد الاحمرار..

ينظر إلى جهاز الحاسب..

يحاول أن يفتحه لكنه يشعر برجفة..

إنه لا يجيد فتحه..

يركله بقوة فيرديه مكسوراً..

يكاد (سمير) ينفجر من الغضب..

يصيح: ماذا فعلت يا مجنون؟!

يرد عليه طارق: لم أفعل شيئاً..

تزداد دهشة سمير وحنقه..

كيف لم تفعل شيئاً وأنت قضيت على جهاز سعره بالآلاف..

ويحوي قاعدة بيانات الشركة..

وبه برامج كلفت آلاف الريالات؟!

يتصرف (طارق) على نحو غير معهود..

يحاول خلع ملابسه

يمنعه سمير

يستلقي على الأرض

يغني بصوت عال ومزعج

ينتبهان إلى وجود الرئيس في مكتب طارق:

والذي أدهشه حال طارق

وأدهشته عبارات غير مفهومة له في ثنايا حديثهما قبل تغير حالة طارق (متصفح - إيميل - هارد ووير - سوفت وير - سيرفر - بال توك - ماي سبيس - سكند لايف - ساتل)..

يرخي نظارته يحملق في وجه (طارق)

يصيح طارق بصوت مدو:

(حرامي... حرامي)..

يرمي سعادة الرئيس عبارة: (هذا تبديد لأوقات الدوام واستهتار بالعمل وقدسيته)..

يتجمع الموظفون حول طارق..

هرج ومرج فيما طارق..

يواصل صياحه..

يخرج الرئيس غاضباً من المكتب..

يحاول سمير استيقافه..

سعادة الرئيس..

يبدو أن طارق قد تلبسته حالة غريبة..

أعراض جنون..

يواصل الرئيس سيره بعيداً عنه..

سمير يطلب الإذن بنقل طارق (إلى المستشفى)..

سعادة الرئيس..

أستأذنك في إيصاله للمستشفى.. لا يعيره اهتماماً

يكرر استئذانه..

لكن سعادة الرئيس قد أغلق حاسة السمع

ينتهب الخطى نحو مكتبه

يتبعه سمير إلى مكتبه يحاول أن يكلمه

يأتي الرد مصافحاً أذنيه:

(عفواً.. إن الرئيس المطلوب لا يمكنه سماعك الآن..

يرجى الاستئذان منه في وقت لاحق)..

يعود أدراجه

يحمل طارق إلى المستشفى المجاور..

يفحصه الطبيب

وسمير ينتظر على أحر من الجمر النتيجة

يقطع المسافة بين صالة الانتظار وغرفة الطبيب

جيئةً وذهاباً

يخرج الطبيب

يجري سمير نحوه: بشر يا دكتور

ما الأمر؟

يجيبه الطبيب: اطمئن.. الأمر بسيط (فقط هناك تسرب لشخصية أحد جيرانه إليه)

سيظل هنا تحت الملاحظة فترة وجيزة

يعود سمير إلى منزله بعد أن اطمأن على استقرار حالة صديقه

يعود في المساء إليه ليجده مرتدياً بالطو الطبيب

ويمارس دوره في الكشف على المرضى

يكاد يجن

طارق: ماذا تفعل؟

يجيبه: أقوم بدوري كطبيب..

لا حول ولا قوة الا بالله.. هذا ما يردده (سمير)

ينطلق نحو الطبيب فيجده وقد انتقلت إليه شخصية طارق

فيما تسللت شخصية رجل الأمن إلى سمير

لم يعد أحد في المكان يدرك من يكون

هناك تداخل في الشخصيات

ينادي سمير على طارق

فيجيبه الطبيب

ينادي المرضى على الطبيب

فيأتي طارق مهرولاً

تنتقل الأخبار للوزارة

التي لا تعلم ماذا حدث

يتصلون بمدير المستشفى

فيجيب غيره ممن تسربت شخصية المدير إليه

القنوات الفضائية والمواقع الإنترنتية تتناقل الخبر

لم يعد أحد يدري ماذا حدث ولا ما هي المشكلة

تُعلن حالة الطوارئ وأن المستشفى منطقة موبوءة

ويُضرب حصاراً حول المنطقة

لمنع مغادرة المكان حتى لا يحدث المزيد من حالات اختلاط الشخصية

يُستدعى فريق عالمي لتشخيص الحالة ودراستها

بعد جهد جهيد يصل الفريق إلى حل وحيد يمنع المزيد من حالات الإصابة

(الاستعانة ببرامج التثبيت للشخصية)

وتركيب إنتي فيروس حول كل شخص في تلك المدينة)

المخواة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد