بين حادثة إنكار المنكر ضد المسرحية التي عرضت في مركز الملك فهد، وبين اجتماع جمعية المسرحيين المحليين، يوجد هناك صحراء من التوجس والريبة وشح المفردات. المسرح هو فن جديد وطارئ على تاريخ المنطقة، والحاجة الفطرية للدراما داخل الإنسان الصحراوي كانت تتجلى عبر معمار القصيدة، كانت القصيدة تختزل الدراما بجميع أبعادها وتكفي الإنسان الصحراوي البحث عن الدراما عبر منافذ أخرى، حتى في بعض المناطق الزراعية المستقرة كانت من البساطة بحيث لم يتعقد بها العيش المدني ويتطور إلى الدرجة التي تجعلها تنشئ خشبة للمسرح.
في العصر الحديث ظهرت الدراما في العالم العربي بشكل مواز للوجود الكولنيالي في المنطقة، لذا قوبل المسرح في البداية بنوع من الرفض والاسترابة لارتباطه بالمستعمر المحتل، حتى إن الفعل الدرامي ظل على ضفاف الجزيرة العربية ولم يدخل إلى مدنها لكونه قد قوبل بمقاومة داخلية كانت تتوسل البعد العقدي كواجهة لها.
ومن هنا ظل تأسيس المسرح على المستوى المحلي عبارة عن تجارب متعثرة ومتفرقة عاجزة عن القيام بنهضة مسرحية شاملة، حتى على مستوى البنى التحتية لا يوجد أكاديميات تعنى بهذا النوع من الفنون, ولم يلتفت للمسرح على مستوى الأنشطة الطلابية إلا مؤخرا على الرغم من أن المسرح المدرسي مازال مغيبا عن مدارس البنات.
المسرح هو وعاء فني، ومحاكمته تتم عبر أدوات نقدية وفنية خاصة بالمسرح، هذه الأدوات التي صقلت عبر ركام تجارب وخبرات طويلة، ولم يكن الجنب النفعي فيه يحتل إلا جزءا يسيرا من بعده الجمالي.
فالنفعي الخطابي يجب أن يتأخر في تقييمنا للمسرح لصالح الدور الجمالي الذي يسعى إلى تقديم قيم الجمال كهدف أول في الدراما المسرحية.
وحينما تجتمع جمعية المسرحيين وتناقش لوائحها وضوابطها وتخفيض قيمة العضوية بداخلها في الوقت الذي ما برح فيه المسرح مطوقا بالمنكر سيبدو المشهد بحد ذاته مسرحية كوميدية، فلا أدري من سيضعون قبل الحصان أم العربة؟
على كل حال أعتقد بأن انضمام أفراد من الذين أنكروا المسرحية التي عرضت في مركز الملك فهد إلى عضوية جمعية المسرحيين سيبدو مناسبا وخطوة ستزيل الكثير من الغموض وسوء الفهم، وستبدو الأمور عنده أكثر بساطة وتلقائية، وستلتقي النفس البشرية على مستوى معين من التوق إلى للجمال المطلق، وسيكون هناك الكثير من المشترك الإنساني على مستوى قيم الحق والخير والجمال.
لابد من تشجير صحراء الرفض والاسترابة فالجديد القادم من الخارج لا يحمل دوما نذر الموت والفناء والقديم من ناحية أخرى لطالما كان تراثا عريقا معتقا خالدا، وليس كومة من التعاليم والوصايا البالية.