حتى وإن لم يعترف الإسرائيليون بذلك، إلا أن أفعالهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم، بل حتى (ثقافاتهم) وخياراتهم السياسية، تؤكد أن الكيان الإسرائيلي.. كيان عنصري وفاشي، وهناك العديد من الظواهر التي تشير إلى المناخ السائد في أوساط الإسرائيليين وهو مناخ عنصري، وتميزي متطرف يعمل ويسير بقوة إلى إكمال ما بدأه مؤسسو الكيان الإسرائيلي من إقامة كيان خالص خاص باليهود.. وحتى اليهود سيخضعون في مرحلة قادمة إلى تميُّز بدأت ظواهره وإشاراته على توجه المجتمع الإسرائيلي، من خلال تهميش طوائف يهودية استقدمت إلى الكيان الإسرائيلي، كاليهود الشرقيين الذين كانوا يعيشون في الأقطار العربية والدول الآسيوية والإفريقية، فاليهود القادمون من العراق وسوريا واليمن والمغرب وتونس، والفلاشا المستقدمون من إثيوبيا، والقادمون من إيران وتركيا والهند، ينظر إليهم كيهود من الدرجة الثانية، حتى إن السياسيين من هؤلاء اليهود لا يُعطون فرصة للاستمرار إن حصلوا على فرصة أولية والشواهد عديدة، فوزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق ذو الأصل التونسي شالوم لم يعد مطروحاً، كما أن النجم السياسي لليهود الشرقيين أفيدور كهلاني الذي أُجهضت فرص تسلُّمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية بسبب أصوله المغربية، والذي شُطب من الذاكرة الإسرائيلية، مثله مثل مردخاي ذي الأصول العراقية.
كل هؤلاء توقفت طموحاتهم أو غُيّبوا عن المسرح السياسي بسبب أصولهم الشرقية رغم أنهم يهود.. بل وحسب ما يذكره إخوتنا الفلسطينيون الذين تعاملوا مع هؤلاء من اليهود الذين استقدموا من الدول العربية، هم الأكثر تطرفاً ليهوديتهم والأكثر إيذاءً للفلسطينيين، ومع هذا لم (يشفع) لهم ذلك في القيادة السياسية، عكس اليهود الغربيين مثل ابن غورين ومناحيم بيجن وإسحاق رابين وشامير والآن شيمون بيريز وأولمرت ونتنياهو وباراك وحتى ليفني، الذين يتناوبون سلطة الحكم في الكيان الإسرائيلي حتى يصلوا إلى أرذل العمر كبيريز أو يغتالوا كرابين أو يموتوا (إكلينيكياً) كشامير أو يموتوا طبيعياً.
هذا التمييز بين الطوائف اليهودية مختزن بالذاكرة اليهودية خصوصاً لدى اليهود الذين يجلبون إلى الكيان الإسرائيلي والذين ما إن يتكاثروا في فلسطين المحتلة ويشكلوا كتلة سكانية كبيرة وكثافة انتخابية حتى يحاولوا من أجل الحفاظ على مصالحهم وتحصين هذه المصالح والنفوذ الذي تعكسه قواهم الانتخابية المستمدة من كثرتهم، يتجهون إلى اتخاذ مواقف عنصرية وانتهاج تطرف كنوع من المزايدة ظناً منهم أن ذلك سيجعلهم من (صفوة اليهود) وأنهم من طلائع (شعب الله المختار)..!
هذا النهج العنصري اليهودي يترجمه الآن فكرياً أفيغدور ليبرمان مؤسس حزب إسرائيل بيتنا الوعاء الحزبي للمهاجرين اليهود الروس، ويظهر أن هذا الفكر العنصري والنهج الذي يطرحه ليبرمان قد امتد إلى المجتمع الإسرائيلي، حيث أخذ هذا النهج والفكر المبني عليه يكسب تأييداً داخل هذا المجتمع لأنه يتوافق مع طبيعة ونوعية هذا المجتمع، وهذا ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية القادمة، التي يرى فيها المراقبون للشأن الإسرائيلي أن تقدم (حزب إسرائيل بيتنا) المتطرف بقيادة العنصري (أفيغدور ليبرمان) ناجم بالتأكيد عن الكراهية المتعاظمة للعرب في إسرائيل، ويُعتقد أن (ليبرمان) مؤسس حزب (إسرائيل بيتنا) المتطرف سيحصل حزبه على المركز الثالث والذي يركز حملته الدعائية على طرد فلسطينيي 48 على أنهم غير موالين للدولة، كما نادى بضرب غزة بقنبلة نووية وضرب السد العالي في مصر.
وبينما يقول ليبرمان: (إن هدفه في انتخابات الكنيست اليوم الثلاثاء هو الحصول على 30 مقعداً في الكنيست من أصل 120 مقعداً)، ويرى المعلق السياسي في (هآرتس) -ألوف بن- أن ليبرمان نجح في الاستطلاعات بفعل استغلاله الفراغ الذي تركه قادة أحزاب (ليكود) و(كديما) و(العمل) في حملته الانتخابية بسبب رسائلهم الضبابية للناخب الإسرائيلي، وأضاف المعلق -ألوف بن- أن (ليبرمان جاء بابتكار أكثر وضوحاً من نتنياهو: أنا بلطجي أزعر وأكره العرب).. وهي لُب الثقافة الإسرائيلية في تعاملهم مع الفلسطينيين.
jaser@al-jazirah.com.sa