Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/02/2009 G Issue 13279
الخميس 10 صفر 1430   العدد  13279
نوافذ
الساعة البيولوجية
أميمة الخميس

 

يبدو أنني سأكون أكثر المحتفين بالقرار الذي صدر حول إغلاق عموم المحال التجارية والمطاعم في مدينة الرياض بعد الساعة الثانية عشرة ليلا، لأن المشهد الليلي في السابق كان غريبا ومريبا (لاسيما أثناء العطل والإجازات) لمدينة كاملة تسهر ليلها وتوكل النهار لأصحاب الدوام والعمال فقط.

بالتأكيد هذا المشهد لمدينة تستيقظ من قيلولتها قرب المغرب، ومن ثم تتمطى وتنطلق لأنحاء المدينة، فتضج الشوارع حتى ساعات الفجر الأولى يفتقد بعده الحضاري، بما في هذا من ضغوط على الجهات الأمنية وجميع القطاعات الرسمية المعنية بمتابعة هذا الوضع أو الإشراف عليه.

المفارقة هنا بأن هذه الظاهرة هي تخصنا تقريبا دون شعوب العالم، فكأننا جماعات من الخفافيش أو المخلوقات الظلامية التي اختارت الليل دونا عن النهار, طبعا هذا المشهد السلبي بما فيه من إحالات إلى الكسل وقلة الإنتاجية والعبث، فالعمل والعطاء والإنتاجية تكون عادة من شعوب حيوية تستجيب للفطرة البشرية وتبادر إلى إعمار الكون مع مطالع الضوء، لكن قضية السهر طوال الليل هي انعكاس واضح للبطالة والخمول وضآلة الإنتاجية واللامبالاة.

اذكر الوالد كان يوبخنا دوما إذا أطلنا السهر مستشهدا بالآية الكريمة (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) أو (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)، لأن في النوم المبكر والسكن بالتأكيد استجابة لإيقاع الساعة البيولوجية التي تنظم استجابة أجسادنا للضوء/ الظلام - اليقظة/ النوم - الضوضاء/ السكون.

هذه الساعة الفطرية الدقيقة تشمل جميع المخلوقات ابتداءً من موسم هجرة الطيور وانتهاء بسلوك النباتات الموسمية، وقد ذكر استشاري جراحة الدماغ في جامعة هارفرد ابراهام آدم ومكتشف مرض (هادني) لعام 2002 (أن قلة النوم واضطراباته والتي تزامنت مع المدنية الحديثة واختراع الكهرباء من شأنها على المدى الطويل أن تخلف العديد من الآثار السلبية والأمراض أبرزها الصرع والخرف وعدم التركيز في اتخاذ القرارات, ويكون هذا الأمر مركبا لدى الصغار واليافعين حيث يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية مع انخفاض في المناعة والتركيز والقدرات الذهنية) بل إن هناك الكثير من المخلوقات والحشرات قد انقرضت بعد اختراع الكهرباء نتيجة عجزها عن تطوير ساعتها البيولوجية لساعات طويلة من الضوء النهاري ومن ثم المصابيح الكهربائية.

وقد نشرت المجلة الطبية السعودية عام 2007 دراسة استطلاعية تشير أن غالبية السعوديين الذين معدل أعمارهم (33) سنة لا يخلدون إلى النوم قبل الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا ويستعيضون بقيلولة النهار عن نوم الليل الصحي.

جميع المعطيات من حولنا تحيلنا إلى خطورة السهر وانعكاساته السلبية على الساعة البيولوجية وانتظام المعاش البشري.

الباقي هنا أن نخلق مناخا عاما يحترم هذا القرار ويستجيب له، ويتخلى عن أجواء الكسل والبطالة العابثة وأجواء مخلوقات الظلام والخفافيش.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد