Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/01/2009 G Issue 13268
الأحد 28 محرم 1430   العدد  13268
نوافذ
المخذلون
أميمة الخميس

 

مفردة (المخذلون) انتشرت حولنا وعمت أثناء الاعتداء الأخير على غزة, وكانت توظف ضمن قاموس التراشق بين التيارات السياسية كنوع من فرز المواقف والمعسكرات السياسية المتباينة. وقد تجاوزت هذه المفردة التراشق الفضائي بين المحللين؛ لتندرج داخل مواقع الإنترنت والبيانات السياسية والتحليلات العسكرية.

ولكنها كانت دوماً تستعمل كنوع من القمع الموجه ضد الطرح السياسي المخالف لما اعتادت الأذن العربية على سماعه أثناء المواجهات العربية الصهيونية, عندما كان الخطاب السياسي عبارة عن بيانات عسكرية تحتشد بكم وافر من الإنشاء اللغوي والركام البياني المنسوج بخيوط الأحلام والأمنيات المنبتة عن واقعها, وعندما كان السياسيون يستبدلون القصف الميداني بالخطب الحماسية التي تبرز الواقع كما تأمل أن يكون أو كما هو في الحلم.

تماماً كالخطبة السياسية الطويلة التي ألقاها خالد مشعل بعد توقف الاعتداء الأخير على غزة, والتي بشر بها بانتصار المقاومة في غزة؛ ليهدي هذا النصر إلى الأمة؛ فكان أول المهنئين له هو الرئيس الإيراني نجاد رابطاً هذا الموقف بالنصر الإلهي لحزب الله في حرب 2006م.

بينما التاريخ يخبرنا أن حركات المقاومة تكون عادةً لحماية المقدرات البشرية والبنى التحتية, لكن ما رأيناه في غزة كان قانوناً جديداً من قوانين المقاومة حيث كانت البنى التحتية والبشر تدفع كدروع تترس خلفها المقاومة.

في حرب 67 عندما استدرج الرئيس عبدالناصر إلى المواجهة مع إسرائيل, كانت الذات العربية وقتها ما برحت تمتلك قليلاً من وعي قادر على أن يفرز ما بين النصر والهزيمة؛ فسميت الهزيمة العربية آنذاك بالنكسة, واستيقظ العرب على فجيعتهم, وحقيقة مواقعهم الحضارية مع العالم، سواء على مستوى صناعة الفرد أو الحضارة.

واليوم بعد سنوات عجاف من حروب ومواجهات استنزافية مع المحتل الصهيوني, اخترعت تلك الذات المتعطشة للانتصارات أسلوباً للتحايل على واقعها, من خلال الدخول في حروب خاطفة وغير مدروسة أو محسوبة النتائج, ومن ثم يخرج هناك من يزف أوهام النصر لشعوب عاجزة عن أن تنزع عن قلوب أقفالها.

وكانت كلمة (المخذلون) نوعاً من المحاكمة العسكرية لجميع مَن اختار الخروج عن المعسكر والجوقة التاريخية, من خلال النظر إلى الواقع بحياد واستقلالية.

كانت نوعاً من الاستعداء لأولئك الذين يعون أن النصر لا يصنعه بوق أو خطبة حماسية, ولكنه في مكان آخر مختلف تماماً... بداخل مجتمعات قادرة على تأهيل الشعوب, وحشد المقدرات, وصناعة الحضارة والانخراط في مسيرتها العالمية.

على مستوى آخر: هل من يقر بحقيقة (أن من بين 500 أفضل جامعة في العالم لا توجد هناك أي جامعة عربية أو إسلامية بينما يوجد هناك 6 جامعات إسرائيلية) سيكون أيضاً من المخذلين؟

باعتقادي أن الذي يريد أن يخفي هذه الحقائق أو حتى لا يريد سمعها... هو أكبر مخذل لماضينا وحاضرنا... ومستقبل أجيالنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد