إن العامل الأول والأهم لنجاح الآباء في التأثير على أبنائهم هو أن يتحمل الآباء مسؤولية هذا النجاح ولا يلقونها على الأبناء.. فالأب الذي يعتبر ابنه هو المسؤول عن كونه عنيداً سيكتفي بلوم ابنه وسيفقد القدرة على التأثير في سلوكه. أما الأب الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عن كون ابنه عنيداً فسيحاول فهم ابنه بشكل أفضل وسيراجع طبيعة العلاقة مع ابنه وطريقة تعامله معه وسيطور ويبدل من تلك الطريقة حتى يصل إلى النتيجة التي يرجوها. أي بمقدار ما يتحمل الآباء المسؤولية عن سلوك أبنائهم ستتطور قدرتهم على التأثير في هذا السلوك وبمقدار ما يتخلون عن مسؤوليتهم ويكتفون بإلقاء اللوم سيفقدون قدرتهم على التأثير فيهم.
وعندما يتعامل المرء مع أمر يجهله يصيبه الشقاء والعنت وهذا ما يحصل مع تعامل البعض مع أبنائهم ممن لم يقرأوا كتابا أو يستمعوا لمحاضرة لها علاقة بالتربية.
فنرى أن كثيرا من الآباء والأمهات يحملون ممارسات تربوية خاطئة تعلموها من آبائهم أو أمهاتهم ويطبقونها على أولادهم دون مراجعتها وعرضها على ميزان الدين والعلم ومن أكثرها شيوعاً عدم تعليم الطفل تحمل المسؤولية، فعندما يصطدم الطفل في مجتمعنا بالكرسي ويبكي نقوم بترضيته بضرب ذلك الكرسي, وكأنه هو الذي صدمه. إن هذا التصرف اللا منطقي يعبر عن إحدى المشاكل الثقافية التي نعاني منها, وهي مشكلة عدم حمل المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر حتى لو كان الآخر كرسياً جامداً لا يتحرك.
إن علاج هذه المشكلة يبدأ منذ الطفولة بأن نعلم الطفل كيف يتحمل مسؤولية مشاعره وتصرفاته. فإذا سمعناه مثلا يقول: لقد دفعني صديقي إلى ضربه, يجب أن نعلمه كيف يقول: أنا غضبت من صديقي لأنه شتمني وضربته. وبعد أن نعلم الطفل تحمل المسؤولية عن مشاعره وتصرفاته نستطيع أن نساعده على اللجوء إلى خيارات أفضل.. ففي المثال السابق مثلاً يمكن أن نسأل الطفل: ماذا كان باستطاعتك أن تفعل عندما شتمك صديقك غير أن تضربه؟ قد يجيب الطفل: كان باستطاعتي أن أشتمه.. أو أن أسأله لماذا شتمتني.. أو ألا أرد عليه.. أو أشكوه إلى والده.. وهنا نستطيع أن ندخل في حوار مع الطفل حول كل خيار من هذه الخيارات وما هي سلبياته وإيجابياته؟ وأن نربط هذه الخيارات بالمبادئ والقيم التي نريد تنشئة الطفل عليها, إلى أن نصل إلى الخيار الأفضل, وهكذا سيتعلم الطفل أن باستطاعته أن يختار ردود أفعاله وأن يتحكم في تصرفاته.