الرياض - خاص بـ(الجزيرة)
محاولات التشكيك والهجوم على شرع الله من قبل أعداء الإسلام لا تتوقف، وتتخذ أساليب متعددة، ووسائل مختلفة تتغير من زمان إلى زمان، وإن كان هدفها واحد، وهو تشكيك المسلمين في عقيدتهم المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت السنوات الأخيرة هجوما عنيفاً على مختلف الأصعدة من قبل أعداء الإسلام للتشكيك في السنة النبوية، وترديد الشبهات والافتراءات حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهدف التشكيك في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، بعد أن عجزوا عن تحقيق أهدافهم في التشكيك في كتاب الله، مستخدمين بذلك مختلف وسائل الإعلام، والاتصال الحديثة، وخصوصا عبر شبكة الإنترنت، من خلال حملات منظمة لهذه الغاية الباطلة، وإثارة البلبلة بين عامة المسلمين.
ويبقى التساؤل قائماً في كيفية مواجهة هذه الحملات؟ وما هو المطلوب من علماء الأمة؟ فماذا قال المختصون بالسنة النبوية وعلومها..!!
التخبط العشوائي
في البداية يؤكد د. فالح بن محمد الصغير أستاذ السنة النبوية وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إن التشكيك في سنة رسول الله صلى الله من قبل أعداء هذا الدين والحاقدين ليس جديداً, وفي كتاب الأستاذ عباس محمود العقاد (الإسلام في القرن العشرين)، ذكر أن أوروبا في وضع الخطط لمحاربة الإسلام كلفت خبراءها ومفكريها أن يدرسوا الإسلام ويحددوا عناصر القوة فيه ليحاربوه وهم به عالمون، وكانت تلك العناصر - كما أسفر البحث - هي: القرآن، السنة، شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الخلاصة توضح الإجابة عن هذه التساؤلات، وأهمها: لماذا اشتداد الهجوم على السنة؟ إن المراد بالسنة في تقرير الخبراء الأوروبيين المشار إليه هو الجانب النظري من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه المعتمدة عند المسلمين الآن.
أما شخصية النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد بها - عندهم - الجانب السلوكي العملي الأخلاقي، باعتباره القدوة الحسنة العليا لمن آمن وعمل صالحا، ثم إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم - السنة - هي الحافظة لسلوكياته وعناصر شخصيته، في هذا الإطار نفهم بوضوح اشتداد الهجوم على السنة النبوية، لأنها تمثل - عندهم - عنصرين من عناصر القوة في الإسلام، وهما: الثروة الحديثية النبوية، وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم العملية.
أو قل لأن السنة تمثل المعيار والميزان استطاعوا أن يمرروا ما شاءوا من أفكار وأن يعرضوا ما شاءوا من آراء وهذه أولويات وضعها الإسلام للقضاء عليه وهم يدركون أنهم إذا أسقطوا السنة من حياة المسلمين فقد أسقطوا معها القرآن الكريم دون أن يمسوه بقول لأن المسلمين لا يستطيعون أن يقيموا القرآن إلا بإقامة السنة فهي البيان الذي لا بد منه لما جاء في القرآن الكريم؟
ومرت أوقات كان الغرب فيها يزاول هذه المهمات بنفسه، ثم اهتدوا إلى (البديل) وهم المتأثرون بهم من أبناء المسلمين، فريق مخدوع تتلمذ على أيدي المستشرقين، واشربت نفسه أغراضهم وامراضهم، فلم يعد يرى إلا بعيونهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يفهم ولا يعي إلا بعقولهم شحن بالشبهات، ثم دفع به إلى دور العلم والإعلام، ينشر سمومه، ويثير في سماء السنة غيومه، فلم يترك قاعدة من قواعد علوم الحديث إلا شكك في قيمتها وجدواها، ولم يدع راوياً من كبار الرواة من الصحابة والتابعين إلا نسج حوله الشبهات، واتهمه بعظيم الاتهامات توطئة لرد كل ما نقل من المرويات، ولم يترك كتاباً من كتب السنة التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، وسملت لرجالها بالعلم والفضل والفهم إلا شكك في أصولها وطعن في رواتها وأسانيدها ومتونها.
هذه صورة من صور البلاء الذي تواجه به السنة، وصورة أخرى - برزت في الآونة الأخيرة - تمثلت في محاربة المؤسسات التي تعني بالسنة النبوية علمية وإعلامية وتجلى محاسنها، وتقريب الاستفادة بها للمسلمين في شتى أنحاء الأرض هذه المؤسسات تحارب بأشكال مختلفة.
لكن هؤلاء وأولئك وإن سعوا ما أمكنهم السعي في محاربة السنة فلن يصلوا - بإذن الله - إلى هدفهم المنشود وغايتهم المطلوبة، بل سيظلون يتخبطون خبط عشواء في متاهات مظلمة، كثيرة الالتواء، صعبة المخرج إلى أن يموتوا غيظاً وحقداً، لأن الله تكفل بحفظ دينه وإظهاره وعلوه في دنيا العالمين، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}, {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
وتصديقاً لهذا الوعد الإلهي فقد قيض للسنة - عبر القرون المختلفة - جنودا يذبون تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ولهم مؤلفات - في القديم والحديث - محمودة في هذا الباب، فيها: كتاب (الرسالة) و(اختلاف الحديث) للإمام الشافعي وكتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة، وكتاب (مشكل الآثار) للطحاوي، وكتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) للدكتور مصطفى السباعي، وكتاب (دفاع عن السنة) للدكتور محمد أبو شهبة، وكتاب (دفع الشبهات عن السنة النبوية) للدكتور عبدالمهدي عبدالهادي، وكتاب (موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية) للأمين الصادق، وكتاب (السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، مناقشتها والرد عليها) لعماد السيد الشربيني، وغيرها إضافة إلى جهود المؤسسات العلمية المشهودة ومواقع الإنترنت وغيرها.
وهكذا نرى أن علماء الأمة على وعي بما يدبر ويحاك ضد ثوابت الأمة ومصادرها، ولن يزيدهم ما يصوب اليهم من سهام التشكيك والتضليل إلا ثباتاً في الموقف، وقوة في الرد وعزيمة على التواصل والاستمرار في العطاء والبذل: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.
توضيح الحقائق
ويشير د. محمد بن عدنان السمان المدير التنفيذي لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها، أن السنة النبوية مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وهي ثروة عظيمة، يقوم عليها التشريع، ولذا حفظها الله - سبحانه وتعالى - لأنها هي وحي أوحاها الله تعالى إلى نبيه - عليه الصلاة والسلام - كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
واعداء الإسلام أدركوا هذه الحقيقة العظيمة، فصوبوا عليها السهام المتعددة، تارة بالقدح بثبوتها، وتارة بالقدح في الرواة، وتارة بالقدح، في الأسانيد، وتارة في إثارة الشبه، وتارة في التشكيك في المتون وفي حقائقها، وتارات أخرى في تأويل معاني السنة والخروج بها من فهم السلف الصالح إلى أفهام من هنا وهناك، ولا عجب أن نسمع أصواتاً أخرى تقدح في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وتصفه بأقذع الأوصاف وأشنعها.
وكل هذا يجتهد فيه أعداء الإسلام، ولا غرابة في ذلك فهم يجتهدون في باطلهم، لكن الغرابة أن يتلقى هذا أبناء المسلمين وممن تعلموا في مدارسهم ورضعوا من لبان السنة النبوية ونشأوا عليها فوصلتهم الشكوك والأوهام فصرنا نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى بالقدح صراحة في حديث صحيح بل متواتر وأخرى في التشكيك في قواعد الجرح والتعديل وثالثة في قواعد التصحيح والتضعيف.
ومن ثم على العلماء عامة، والمختصين في السنة النبوية خاصة أن يجلوا المفاهيم، ويوضحوا الحقائق لأبناء المسلمين ويجيبوا عن الشبه، وأن يستخدموا كافة الوسائل لذلك فهو من أجل الأعمال وأفضلها.
هجوم إلكتروني
وتقول د. أميرة بنت علي الصاعدي، أستاذ مساعد بجامعة أم القرى وعضو بالجمعية العلمية السعودية للسنة، لقد شرف الله هذه الأمة بكتابه العزيز، وسنة نبيه الكريم، وتكفل بحفظهما، وهيأ لهما حفظة أمناء، ورجال أشداء، ومما تفخر وتشرف به هذه الأمة، علو شأن أهل السنة، وسمو ذكرهم، ورفعة أمرهم، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة.. هم حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.. من كادهم قصمه الله. ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من عاداهم، ولا عجب أن يحسدهم الحساد، يحقد عليهم المبتدعة وأهل الأهواء.
وقد ظهر على مر التاريخ، دعاة فتنة وسوء، وأهل بدعة وهوى، نفثوا سمومهم، ونشروا أهواءهم، وطعنوا في آثارهم.. تعرضوا للسنة فأدخلوا فيها ما ليس منها، ودسوا فيها ما يقدح فيها ويسيء إليها، فقيض الله لها رجال أمناء، وعلماء فضلاء، وأئمة فقهاء، ميزوا صحيحها من سقيمها، وناسخها من منسوخها، نفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
ولا عجب أن يتكرر الهجوم على أهل السنة، في كل عصر وزمان، وأن يتغير ويتنوع هذا الهجوم حسب تغير الزمان وآلاته ووسائله، وما حصل أخيرا من هجوم الكتروني على مواقع أهل السنة الفضلاء، لدليل أكيد على تميز أمرهم، وظهور شأنهم، وقوة حجتهم، فهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
أهل السنة في كل زمان ينابيع هدى ومصابيح حكمة، وسرج ليل، آثارهم مقتفاة، وأقوالهم منتقاة، مصدرهم واحد، وقلوبهم متفقه، بينما أعدائهم من مبتدعة وفسقة، متفرقين مختلفين، شيعاً وأحزاباً، في تنازع وتباغض، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.
أهل السنة في كل زمان يدفعون عن الأمة كل سوء، وينصحون لها في كل أمر، ويحذرون من كل شر، هم شامة في جبين الأمة، وراية حق في سماء الهمة وهم حزب الله الغالبون، وجنده المنصورون، لا يضرهم من آذاهم، ولا ينقص قدرهم من أساء إليهم.