تتمثل هوية الإنسان في العقيدة التي يؤمن بها، والقيم والأخلاق التي يعتز بها ويصدر عنها. وعلى قدر جلاء هذه المنطلقات لدى المسلم واستقرارها في قلبه، ورسوخها في نفسه، يكون أثرها في صياغة شخصيته، وتوجيه فكره، وتقويم سلوكه، وحفزه إلى المثل العليا، والقيم الصالحة، والأعمال الإيجابية المثمرة.
والهوية هي الرابط بين أفراد المجتمع، والتي متى فقدت تشتت، وساده التنازع والاختلاف. ومن حق المسلم أن يتيه عزا وفخرا بانتمائه إلى أكمل دين، وخير كتاب، وأفضل رسول صلى الله عليه وسلم، وفي القرآن الكريم تعظيم لهذه الهوية، وتوجيه للفرح بالانتساب إليها، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت، فالمسلم يملك أجلّ رصيد معنوي؛ من الحقائق العقدية، والتشريعات الربانية، والقيم الخلقية، والتي يفقدها الآخرون مع مسيس حاجاتهم إليها، وظهور الخلل فيهم بسبب فقدها.
والمسلم الحق الذي يعرف قدر ما يملكه، ويستشعر منة الله تعالى عليه بما هداه إليه، لا يرضى أن يشوب هويته ما يشينها، أو يشوه صورتها ويعكر صفوها. كما أنه يحزنه أن يحس من نفسه شيئا من الإعراض عن أمر الله، أو البعد عن شريعته، وإن كان التقصير والخطأ من لوازم بشريته، ولذا يسره ما يقوم به الحداة على طريق الخير، الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، لأنهم يبعدونه عن ساحة الجفوة، ويرغبونه في الاستجابة لأمر الله تعالى، والاستقامة على طاعته، ويوثقون صلته بمبادئه وقيمه وهويته.
ولما كان من طبيعة النفوس الميل مع الشهوات العاجلة، والتفلت - أحيانا - من التكاليف الشرعية، ومجافاة الفضائل الخلقية، يأتي دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حارسا أمينا ليعيد للفرد والمجتمع توازنه وصلته بمستلزمات هويته - عقيدة وشريعة وأخلاقا - فهو يقوي بواعث الخير في نفس الإنسان، ويرغبه في طريق الطاعة والفضيلة، ويوصد أبواب الشر والفساد أمامه، فينهض المسلم للخيرات، ويسارع إلى الطاعات، ويتباعد عن الرذائل، وينأى بنفسه عن مسالك الفكر المنحرف.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوي أواصر المجتمع، ويزيد من ترابطه وائتلافه، وينمي الفضائل فيه؛ والفضيلة متى كثرت في المجتمع، وسهلت طرقها، وكثر الفاعلون لها؛ قوي الدافع لها، والباعث عليها. ولعل من أوضح ما يجلي أثر شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حفظ هوية المجتمع، ما نراه من تفوق هذا المجتمع الذي نعيش في كنفه - لأخذه بهذه الشعيرة - على سائر المجتمعات الأخرى؛ في جلاء مسائل الاعتقاد والعبادة، وفي شيوع الممارسات الخلقية الفاضلة من كافة شرائح المجتمع، بما لا نظير له في غيره من المجتمعات.
وإذا كان يوجد اليوم في بنية المجتمع بعض الأورام غير الحميدة، ولا سيما من بعض المنابر الإعلامية، فإن المؤمل المبادرة إلى سرعة استئصالها إعمالا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فيوشك أن تضر بجسم المجتمع ولحمته وهويته.
* أستاذ مساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية