لا ينازع أحد في أن الراحة مطلب كل أحد، وكم شمر المشمرون فتعبت أبدانهم لأجل أن يصلوا إلى الراحة، فمنهم من ظفر بها ومنهم من رجع بخفي حنين، والحق الذي لا بد أن نعرفه هو أن الراحة لا تدرك بالراحة. والعجيب أن هناك من يطلبها ولم يدفع مهرها، وأعجب منه من يوهم نفسه أنه حاز عليها وهو في الحقيقة يعيش السراب ولا يريد الاعتراف ولا المصارحة حتى مع نفسه.
|
|
هل نجدها في كسب المال؟ أو في كثرة العيال؟ أو في الحسب والجاه والجلال؟ أو في سكنى القصور التي تبهر الخيال؟ أو في نكاح النساء ذات الحسن والدلال، أو في ركوب المراكب ذات البهاء والجمال.
|
كل ما سبق هو من الراحة ولكن ليس كل الراحة!!
|
|
|
نجدها في القرب من الله والأنس به والتلذذ بمناجاته.
|
من جرب هذه اللذة عرف أن الناس في هذه الدنيا مساكين، عاشوا فيها ورحلوا عنها ولم يذوقوا أطيب ما فيها.
|
يقول أحد المجربين: والله إننا في سعادة، لو يعلم الملوك وأبناء الملوك بها لجالدونا عليها بالسيوف!
|
ويقول آخر: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
|
هذه الراحة وجدها بلال بن رباح في يوم فقد فيه المال وقلّ فيه العيال، ناهيك عن القصور والنساء والمركوب، يوم أن يقاسي حر الرمضاء وثقل الصخرة على صدره، فيقول: أحد أحد.
|
قيل له بعد أن أعتقه أبو بكر: كيف كنت تتحمل هذا العذاب؟ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فلم أعد أحس بشيء.
|
أحد أحد.. لها حلاوة كحلاوة الماء الزلال |
لا عنها تسلني إنما سل عنها بلال |
بعد ذلك تزوج بلال من صحابية، وأصبح مؤذن رسول الله، وبشّره رسول الله بالجنة فكسب الراحة في الدنيا والآخرة.
|
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته |
أتعبت جسمك فيما فيه خسران |
أقبل على الروح واستكمل فضائله |
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد |
*الجوف - دومة الجندل |
|