Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/12/2008 G Issue 13230
الخميس 20 ذو الحجة 1429   العدد  13230
احترام العقل من صميم الحقوق
حمد عبد الرحمن المانع

ركام العادات والتقاليد يأبى إلا أن يستقر في خاصرة الشعوب، متوسطاً صدر الحياة العامة، وفي واقع الأمر فإن وجود الأعراف في المجتمعات أمر حتمي، ويأخذ صفة التنظيم التلقائي؛ نظراً إلى مدى الحاجة إليها على اعتبار تفاوت المستويات، وتأخذ الدول بالاعتبار هذا الجانب؛ نظراً إلى مدى الحاجة وتمرير المفاهيم لماهية التنظيمات المختلفة، وتتباين مدى الحاجة لإدراج هذا الأمر في نطاق الأنظمة أو بالأحرى استقاء المفهوم لتعزيز الصيغة من بلد لآخر ومن بيئة لأخرى وفقاً لارتفاع مستوى وعي الأفراد وعدم تقاطع العرف مع المنطق، ولاسيما فيما يتعلق بالحرية الشخصية واحترام الإرادة.

وتفرض العادات والتقاليد في بعض المجتمعات سطوتها، وتبسط الأعراف نفوذها، لتستقر في الأذهان، وكأنها من المسلَّمات، وهي لا تمت للدين بصلة، ولا تقرها العقول المستنيرة لجنوحها عن المنطق السليم، وهي لا تعدو عن كونها ترسبات متوارثة في أدبيات القبيلة، واستمرت تعزف ألحاناً للنشاز أقرب منها إلى الإطراب؛ لغياب الإنصاف من جهة، واختزال قيمة المرأة وحصر دورها في شكليات وأدوار سطحية لا تتجاوز إطار المطبخ والإنجاب، فيما يعتبر هذا الاختزال غمطاً فجاً، وانتقاصاً ليس له ما يبرره، فمن غير المعقول في ظل ازدهار العلم والمعرفة، وبلوغ التطور آفاقاً واسعة، إتاحة المجال لاستيطان الجهل، وتسربه عبر معابر العادات والتقاليد، والأدوار القيادية للمرأة يزخر بها التاريخ غير أن التحسس والمبالغة في الحذر التي منشأها الشكوك وسيطرة الهواجس على هذا النحو المفتقر للإنصاف سيؤدي إلى بروز فرضيات من شأنها تحطيم النفس، ولا أقسى على المرء أمرّ وأدهى من أن تتهاوى شخصيته ويلغى اعتباره نتيجة لجهل البعض، أو سوء الفهم على اعتبار استباق وقوع الخلل، معتقداً أنه بهواجسه الموغلة بالشك والريبة سيسهم في الحماية، وقد قيل يؤتى الحذر من مأمنه. فيما ترزح الثقة تحت وطأة الافتراضات الوهمية التي يسوقها الجهل وسوء الظن، فإذا اهتزت الثقة بين طرفين واخترقتها الإسقاطات النفسية المتواترة، فإن البديل لهذا الغياب لا يمكن بحال من الأحوال أن يحول دون تفاقم الشوق، وسيتسع الخرق على الراقع، بقدر الوهن في التفكير وفق هذا المنظور. وعلى الصعيد ذاته فإن الإفراط والتفريط كليهما مدعاة لنشوء الاضطراب والاهتزاز المؤدي لارتباك المجتمعات وإرباكها، وانعكاسه على الاستقرار بكل أبعاده على اختلاف طبيعة المفاهيم وليس تخالفها، وفي ظل تنوع المفاهيم المحددة فإن المعضلة تكمن في القياس لتلك المفاهيم وليست للمفاهيم ذاتها؛ إذ إن الإطار المنظم للعلاقة بما في ذلك أداء الحقوق والواجبات مرجعه الدين الحنيف الذي أمر بالعدل والقسط، والحقوق من صميم العدل، وإذا كان الدافع هو الحرص والخوف، فإن هذا لا يسوغ تجاوز الاعتدال، وتحقيق التوازن يحتم تجسير الهوة بين الواجب والتطبيق، في نطاق الواقع المتغير بمعزل عن المساس في الأسس الثابتة، وسيسهم في الترشيد من زخم الاحتمالات باتزان ينحو إلى المحافظة من جهة والحفاظ على الحقوق من جهة أخرى، وأبرز هذه الحقوق حماية الاعتبار للشخصية، واحترام العقل المنتج الفاعل لتسهم المرأة في مجالات التنمية المختلفة في ظل بيئة محافظة، فهي كانت في السابق تحرث الزرع وتحصد الثمار وتسقي النخيل، وترعى الماشية، وغير ذلك من الأعمال، وهاهي الآن في المختبرات والمستشفيات والمدارس تسهم بفكرها. ولا ريب أن من آثار اتساع الهوة جراء عدم فَهم الدور الذي تستطيع أن تقوم به المرأة في ظل حفاظها على الأطر المنظمة، وفقاً لمقتضيات البيئة المحافظة، سيغري المتطفلين مستغلين هذه الهوة لتوسيع دائرة الخلاف في تأليب فج عبر استغلال بعض الثغرات وتضخيمها، والسبيل إلى تحجيمها. وإجهاض أهدافهم يتطلب مزيداً من الحكمة، وطَرْق سبل التيسير المؤصل لنهج أبناء الأمة في التعامل والتواصل، وقبل هذا وذاك المعاملة الكريمة اللائقة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد