Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/12/2008 G Issue 13216
الخميس 06 ذو الحجة 1429   العدد  13216

(التحسس من الخطأ) العائق الرئيس للعلم والمعرفة
حمد عبدالرحمن المانع

 

يحرص الإنسان بطبيعة الحال على الصواب، وتحرِّي تحقيقه في القول والعمل، لذلك فإنه يجتهد في الحصول على العلم والمعرفة لعمل الصواب، وفي نفس الوقت فإنه يتحسّس من الخطأ وينزعج أشدّ الانزعاج متى ما وقع في الخطأ، ولا أقصد هنا الخطأ المقصود فهذا شأن آخر، بل الأخطاء غير المقصودة وهي مزعجة على أيّة حال، غير أنّ هناك حلقة متصلة بين الصواب والخطأ فلو لا وجود الأخطاء، ما عرف للصوات طريق، فالتجارب العلمية في المعامل والمختبرات تخضع لعدّة عمليات لبلوغ الأمر الصائب، وقد تخطئ مرة أو اثنتين أو أكثر من ذلك غير أنّ المحصلة هو بلوغ الهدف، مع الأخذ بالاعتبار تجنُّب الأضرار في مرحلة التجارب تلك، وإلاّ فكيف يرسخ المعلم على سبيل المثال المعلومة الصحيحة في ذهن الطالب، لا سيما وأنّ الاحتمالات لوقوع الأخطاء واردة، ويبرز في هذا السياق معضلة إنسانية مرتبطة بالتكوين وبطبيعة البشر، وهي التحسّس أو بمعنى آخر الشعور بالذنب في حالة وقوع الخطأ، كنتيجة طبيعية للفعل وردّ الفعل المصاحب له خصوصاً وأنه مرتبط بالمشاعر والأحاسيس، وقد يحجم الطالب أو المتدرّب أو الموظف عن خوض التجربة، أو بالأحرى يعرض عن الدخول في هذه المسألة التي لا يعرفها خشية الوقوع في الخطأ ليستقر المفهوم الخاطئ في ذهنه، نتيجة لهذا الأمر ويبقى على الخطأ في ظل غياب التصحيح الذي لم يسع إليه، كخوف من التأنيب أو استحياءً من عدم معرفته لهذه المعلومة أو تلك، وهذه في تقديري من أعتى وأقسى معوقات العلم والمعرفة، ولا أعتقد بأنّ أحداً لم يواجه هذا الأمر، وأجزم كذلك بأنّ آلاف المعلومات الصائبة لم تعانق الأذهاب وغابت اختيارياً بسبب هذه المشكلة سواء على صعيد الدراسة أو العمل، والحساسية موجودة عند كل شخص وفي كل المجتمعات، غير أنّ الحد الأدنى منها سيفتح المعابر لولوج التصحيح، وبالتالي فإنّ كماً كبيراً من العلوم الصائبة والمعارف الصحيحة ستجد طريقها إلى العقول التي في أمسّ الحاجة إليها، ولم يقف حائلاً دون ضخّها سوى الإفراط في التحسّس وأوهام لا تعدو عن كونها حاجزاً هلامياً لا أصل له، من هنا فإنّ من أولويات النهوض في المسيرة التعليمية وسبل التطوير المعرفي، هو السعي لإزالة هذه الحواجز وإبقاء مؤشر التحسّس في الحد الأدنى عبر تكثيف الوعي المعرفي بهذا الخصوص، وتسليط الضوء على هذا الجانب الذي ما برح يقصي المعلومة الصحيحة تلو المعلومة لعدم توافر الدعم المعنوي الطارد لهذا المارد أو بالأحرى التخفيف من حجب المعلومات وعدم وصولها لمبتغيها على هذا النحو الذي يتكئ على طابع الخجل من المبادرة أو السؤال، إنّ إزاحة هذا العائق عن طريق العلم والمعرفة يتطلّب مزيداً من الجهد الفكري والانسيابي في ذات الوقت، فهذه المسألة مرتبطة في عنصر مؤثّر ومهم، والرسالة أوجّهها إلى حائط الصد الأول للمعلمين والمعلمات، وكذلك المديرين والمديرات وكل مسؤول بأنّ السبيل لمعالجة هذه المسألة المؤرقة يكمن في الأريحية ورحابة الصدر، وحثّ الطلبة والطالبات والعاملين والعاملات بأن لا يتحرّجوا من الوقوع في الخطأ، بل يبادروا في الإجابة وطرح الأسئلة فمن دون الخطأ لا يمكن استنتاج الصح، طالما كان المرء مخلص النية والقصد فلا حرج من عدم المعرفة، فالذي سيعلِّمك ويعرِّفك لم يكن نفسه يعرف حتى عرف ممن يعرف وسأل وجاوب وأخطأ، وفي النهاية بلغ الصواب وانسجاماً مع هذا التوجُّه النبيل الخلاّق، وبلوغ العلم والمعرفة من خلال انسيابية الأدوات الرافدة والأساليب الداعمة، فإنّ درجة التركيز على الخطأ يجب أن يوازي الصح، بقدر ما تشكل إزالة الرهبة من إمكانية حدوث الأخطاء حلقة الوصل والخيط الدقيق المؤدي إلى تصحيح المعلومات ونقلها بأريحية تنمّ عن خلق رفيع ورحابة صدر تعكس الإخلاص في أداء المهام، ولا ريب أنّ الصبر والتحمُّل عنصران مؤثران في هذه المرحلة التي تحقق الرضا عن مستوى الأداء، وكثرة الأخطاء التي تقع سواء من الطلبة أو المتدربين أو الموظفين ليست مؤشراً للضعف بقدر ما يعكس تضاؤلها شيئاً فشيئاً حرفية ومهارة للمعلم أو المدرب الذي ينتشل التصحيح من رحم الأخطاء، وبالتالي يحقق هدفه المنشود بعيداً عن مطرقة العجلة والتي تسهم بشكل أو بآخر في التضليل وتحجب العلاقة الشفافة بين المعلم وتلميذه، بل إنّ درجة الارتياح ستشمل المعلم والطالب قياساً عن استقاء المعلومة الصحيحة وترسيخها بالأذهان ما يعود بالنفع والفائدة للجميع.

قال الشاعر :

إذ لم تكن تدري ولم تك بالذي

يسائل من يدري فكيف إذن تدري

جهلت ولم تعلم بأنك جاهل

فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري

إذا جئت في كل الأمور بغمة

فكن هكذا أرضاً يطأك الذي يدري

hamad@asas-re.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد