في مقالات سابقة نشرت في هذه الجريدة المتميزة أفردتها للحديث عن التقويم العالمي للجامعات وكيفية الارتقاء بأداء وتفعيل وظائفها للوصول بها إلى المستوى المرموق الذي تتمناه ونطمح إليه، كان التركيز على إحدى...
.....الوظائف الرئيسية، وهي وظيفة البحث العلمي باعتباره سبيل الرقي والرفعة، واليوم نستكمل الحديث عن وظيفة أخرى مهمة لا تقل أهمية عن الوظائف الأخرى وهي وظيفة خدمة الجامعة للمجتمع، وكيف تترجم الجامعة (أي جامعة) هذه الوظيفة إلى واقع ملموس، ولا بد في البداية أن نشير إلى أن هذه الوظيفة لها العديد من المعاني والدلالات التي تتجاوز الألفاظ والمصطلحات أو مجموعة برامج أو دورات. إنها منهج عمل وخطة مدروسة تتضمن أهدافاً ونطاقاً أوسع للمفهوم وتشمل ضمن ما تشمل إلقاء المحاضرات وإقامة ندوات والمساهمة في برامج وأنشطة خارج أسوار الجامعة، بل بالإضافة إلى ذلك هناك برامج وخطط تفي بحاجات المجتمع وقضاياه الحقيقية والتي لا تحل بجهد أحادي أو تداخلات حكومية أو مجتمعية فقط، بل إن الجامعة وهي معقل العلم والبحث العلمي وبها صفوة أبناء المجتمع من أكاديميين ومفكرين وتحوي الأدوات والأساليب المناسبة للمساهمة في التصدي لقضايا وهموم المجتمع، فضلاً عن إيمان المجتمع وقناعته بفاعليتها ودورها وهذا هو سر الدور المتنامي للجامعة في خدمة المجتمع من حيث التثقيف والتوعية والاندماج في المجتمع في حل مشاكله ومعرفة همومه، بل إن الجامعة يمكن أن ترتقي بمستوى الوعي والتحصين للمجتمع ضد الآفات والأمراض إلى مجال أرحب وأوسع، وفي ضوء هذا الإطار والتحديد المبدئي لوظيفة الجامعة الاجتماعية نعتقد بأن ما نشأ وينشأ في مجتمعنا كغيره من المجتمعات من أزمات أو مشكلات نفسية أو تربوية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية تحتاج إلى جهود مكثفة ومتضافرة للتعامل معها كمشكلات العنوسة والطلاق والخسائر في الأسهم والتعصب الكروي والفكري والعنف والعدوان بين الشباب والحوادث المرورية والمخدرات والقبول في الجامعات وتوفير الوظائف للخريجين والبطالة والعنف الأسري والخوف والإرهاب والتطرف الفكري والمادي هي قضايا رئيسية تؤثر في المجتمع رسمياً وشعبياً والتعامل معها لا يمكن أن ينجح بجهود وزارة الداخلية أو التجارة أو المالية أو الشؤون الإسلامية أو العدل أو الإعلام أو غيرها فقط، وإن كانت مسؤولة رسمياً ووظيفياً عن معالجتها في حدود اختصاصها وإمكاناتها إلا أن مسؤولية الجانب الوقائي والذي يعلب دوراً كبيراً في التخفيف من نشوء المشكلات بل والحد منها هي مسؤولية وظيفية مهمة من وظائف الجامعة وهو ما تعارف عليه في العرف الأكاديمي والتقسيم الجامعي لوظائف الجامعة.
وفي ظل هذا التحول والتطور لجامعاتنا في أداء رسالتها نستطيع الآن أن نسرد نموذج نجاح يستحق الإشادة بل يستحق جائزة، ألا وهو الدور الذي تقوم به الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في ظل إدارتها المميزة برئاسة معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الذي منذ تسلمه إدارة الجامعة وهو يقود الجامعة إلى أدوار أرحب وأعظم وأوسع مما هو داخل أسوار الجامعة وما فيها، وقد أتيحت لي الفرصة بدعوة كريمة من معاليه للتشرف بحضور لقاء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في أمسية ناجحة ومعبرة ومفيدة في يوم الأربعاء الموافق 27-11-1429 ه تعكس حقيقة اندماج حقيقي للجامعة مع المجتمع، وكان الهدف من اللقاء هو الحوار والاستماع من رجل الأمن الأول في المملكة مع منسوبي الجامعة وأبناء طيبة الطيبة في قضايا الأمن الفكري على وجه الخصوص، والحديث عن فحوى حوار سموه تحتاج إلى إفراد مقال خاص. وما يعنينا هنا هو أن هذا اللقاء هو خاتمة برنامج سنوي وزعته الجامعة أثناء الحفل يشمل اللقاءات والمحاضرات والندوات والبرامج التي أقامتها الجامعة منذ حوالي سنة في مجال خدمة المجتمع، والآن دعوني أضرب أمثلة من هذه المساهمات النموذجية لخدمة المجتمع:
أولاً: لقاء أمير المنطقة مع أهالي المدينة وهذا اللقاء هو المدخل الحقيقي لتجسير أي فجوة بين الجامعة مع المجتمع.
ثانياً: البرنامج الثقافي الذي أقامته الجامعة خلال العام المنصرم هو برنامج مدروس ومخطط له بشكل متميز لتثقيف وتوعية الطلاب ومنسوبي الجامعة في مجتمع المدينة المنورة في المجالات العلمية والطبية والبيئية والاجتماعية والتربوية بأسماء لامعة ومشهورة وذلك بحسب ما ورد في تقرير الجامعة الذي وزع في الحفل المشار إليه أعلاه.
ففي مجال التوعية عن الإرهاب وأخطاره حاضر كل من:
1) سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بعنوان: (الإرهاب وخطورته على الفرد والمجتمع).
2) ومعالي رئيس مجلس الشورى الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام بعنوان: (الانحراف الفكري وخطورته على المجتمع).
3) محاضرة الشيخ عبدالرحمن السديس بعنوان: (الإرهاب بين التغرير بالشباب وتجاوز السنة والكتاب).
4) معالي الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء بعنوان: (موقف المسلم من الفتن).
وفي مجال التثقيف الطبي والصحي:
محاضرة معالي الدكتور عبدالله الربيعة المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني عن خبرة المملكة في فصل التوائم السيامية، محاضرة الدكتور خالد الجبير عن سعادة القلب.
وفي المجال الاجتماعي:
محاضرة الدكتور علي النملة عن العمل الخيري، والتحديات المعاصرة، ومحاضرة الدكتور عبدالرزاق العباد عن كيف تكون مفتاحاً للخير، ومحاضرة الدكتور عبدالله بن ناصر السدحان بعنوان: أطفال بلا أسر.
وفي مجال التثقيف العلمي والديني العام حاضر كل من:
- الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار عن الإعجاز العلمي ودوره في الدعوة إلى الله.
- الدكتور صالح بن سعد النجيمي عن الشبهات والشهوات الأسباب والعلاج.
- والشيخ عبدالله أبا حسين عن المدخل لشرح ثلاثة الأصول.
وفي مجال التثقيف الاقتصادي:
حاضر معالي الشيخ عبدالله بن منيع، والدكتور محمد القري والدكتور عمر زهير حافظ عن المعاملات المصرفية الإسلامية.
وفي المجال الأدبي:
أمسية شعرية للدكتور عبدالرحمن العشماوي.
ثالثاً: ومن مجال المحاضرات والندوات المرتبطة بقضايا المجتمع إلى الدراسات والتي ترتبط أيضا بقضايا المجتمع وهمومه ومنها؛ دراسة العنف لدى شباب المدينة التي كان لكاتب هذا المقال شرف المشاركة في ورشة العمل التي أٌقيمت تمهيداً لقيام الدراسة والتي ترتبط مباشرة بموضوع هام لا يختص فقط بشباب المدينة المنورة ولكن يهم جميع شرائح المجتمع، بل إن ما سوف تتوصل إليه نتائج الدراسة يمكن الإفادة منه لمن يعنى برعاية وتربية الشباب ويحافظ على أمنهم واستقرارهم وإن برنامج المشاركة من قبل أساتذة وطلاب الجامعة في أعمال الحج هو مثال آخر لنزول الجامعة في خدمة المجتمع بمفهومه الواسع والمباشر.
وإن تلك الأمثلة التي أوردتها عن بعض أنشطة وبرامج الجامعة في خدمة المجتمع ليست من قبيل الدعاية للجامعة فهي ليست بحاجة إلى من يعمل دعاية لها فيكفيها تاريخها المجيد ومن قام على تأسيسها وإدارتها بل ويكفيها إشادة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز على ما تقوم به من أعمال وبرامج في خدمة رسالة الجامعة للمجتمع، إنما هي بعض الحقائق التي اقتضى الحديث عن الوظيفة النموذجية لخدمة الجامعة للمجتمع إيراد أمثلة منها.
وختاماً.. فإني أرى أن إيراد مثل تلك الأنشطة والبرامج أعلاه تصلح مرشداً ودليلاً للجامعات تقدمه وزارة التعليم العالي لكيفية خدمة الجامعة للمجتمع، بل ويمكن أن يتعدى الأمر ذلك إلى قيام وزارة التعليم بتخصيص جوائز على مستوى الوطن في كل وظيفة من وظائف الجامعات تحفيزاً وتشجيعاً لها لتفعيل أدوارها ووظائفها الرئيسية في ظل الانتقال النوعي للتعليم وفي ظل مناخ التنافس العالمي للجامعات وتقويم أدائها، وفي نظري إن الجامعة الإسلامية تستحق بجدارة جائزة الجامعات السعودية لهذا العام في خدمة المجتمع.
وبالله التوفيق،،،
للتواصل مع الكاتب zozmsh@hotmail.com