Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/12/2008 G Issue 13214
الثلاثاء 04 ذو الحجة 1429   العدد  13214
الانتباه الاختياري.. ومسلسلات الضياع
ناصر بن حمد المنيف

إن ما يتصف به الناس من الأخلاق على وجهين. أخلاق فاضلة شريفة حث الدين الإسلامي عليها وأمر بها وهي كثيرة في مجتمعنا ولله الحمد، وأخلاق ذميمة حذر منها ومن المؤسف جداً أن يتخذ البعض من هذه الأخلاق الذميمة أخلاقاً له فيهلك نفسه ويحط معنوياته وينقص إيمانه وقدره.

ومما ساهم في انحطاط الأخلاق بعض المسلسلات التلفزيونية التي تتسابق بعض القنوات الفضائية على عرضها دون النظر في مدى صلاحيتها للمجتمع المسلم ولعل أبرزها المسلسلات المدبلجة التي تسببت في نشوء خلافات كثيرة في الأسر العربية بل وصل بالبعض أن أقدم على الطلاق وطلب الخلع.

ولعل مشاهدي هذه المسلسلات شدهم الانتباه (Attention) على ثلاثة أنواع تتم التفرقة بينهم على أساس درجة التركيز الذهني والشعوري كما يلي:

أولاً: الانتباه الاجباري (Invotunary) هنا نجد أن المسلسل فرض نفسه على شعور المشاهد وجذب انتباهه حتى ولو لم يكن راغباً في ذلك ولكن لكثرة ما يكتب حول المسلسل في الصحف وحديث المجتمع عنه والتفرد بقرار اختيار القناة في المجموعة وهذا بالطبع تأثيره قليل على المشاهد.

ثانياً: الانتباه العفوي (spontaneous) وهذا يحدث لفئة من المشاهدين عندما ركزت القناة الفضائية على عمل دعاية للمسلسل من خلال فواصل الإعلان محاولة اجتذاب انتباه المشاهد الأمر الذي جعله يستمر في تركيز انتباهه على الإعلان كون ذلك يثير اهتمامه ويعمل على تحقيق رغبة داخلية للمشاهد وهنا نلاحظ أن المشاهد لم يبدأ الانتباه من جانبه طواعية وإنما ابتدأ الانتباه بفعل الإعلان ولذا نلاحظ أن المشاهد لا يقاوم الدعاية للمسلسل بل يستمر في تركيز انتباهه عليه كونه يحمل شيئاً مهماً له.

ثالثاً: الانتباه الاختياري أو الإرادة الحرة (free will) ويحدث ذلك عندما يقوم المشاهد بتركيز انتباهه طواعية على المسلسل بل يركز على كل صغيرة وكبيرة فيه ومثال ذلك من يرغب شراء هاتف تجده يركز على الإعلانات الخاصة بالهواتف ومن يفتقد الحب والرومانسية يتجه للمسلسلات التي تبث مطلبه ولذا نجده يحرص على تمجيد السلعة التي وجدها ويبذل قصارى جهده للحصول عليها كونه لم يملكها بالسابق أو ملكها وتقادمت عنده ونبذها. لذا انساق أصحاب الانتباه الاختياري إلى رغبة داخلية في نفوسهم فمدحوا ما شاهدوه في المسلسل وانتقدوا حالهم وتمنوا لو أنهم يعيشون حياتهم كما رسمها أبطال وسيناريو المسلسل فحدث لديهم صراع داخلي كان نتيجة ذلك خراب بيوت وعدم استقرار.

وأقول لأصحاب الانتباه الاختياري وأرجو أن يكونوا ناضجين لقبول النقد وإن لم يكونوا كذلك فليسوا ناضجين لقبول المدح. إن تركيزكم وانبهاركم بهذه المسلسلات جانبه الصواب لعدة أسباب اختصرها فيما يلي:

* نسمع كثيراً من بعض المجتمعات الغربية الدعاية الكاذبة العارمة لتفخيم وترويج بضاعتهم ومدنيتهم الزائفة وحضارتهم المنهارة يروجون ذلك باسم التقدم والرقي والتطور والتثقيف العالمي وما شابه ذلك من العبارات الفخمة الجزلة التي تنبهر بها عقول كثيراً من الناس فيصدقون ما يقال ثم يلهثون وراء هؤلاء بالتقليد الأعمى والتبعية غير المعقولة بدون تأمل أو نظر في الفوارق والعواقب. وهنا يقول لويس روخاس (احذروا يا عرب يا مسلمين أن تخلطوا تطوراتكم بالتطورات الغربية فأنتم أهل حضارة عريقة لها مقومات لا تملكها حضارتنا لا تتطلعوا إلى الحضارة الغربية تطلع الممجد لها أنها ستبلى).

* ما يطالب به أصحاب هذا الانتباه يستحون عمله بالعلن ومن يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

* أدعوكم بأن لا يتسرب ما يعرض في هذه المسلسلات إلى قلوبكم فلها مفاسد منها ما يحدث للقلب من هيام في الحب وإغراق في الخيال الذي لا حقيقة له فيه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. يصبح قلبه في خيال فارغ ليحصل بت إلا قلق النفس وتشتيت الفكر ونسيان مصالح دينه ودنياه مؤثرة على الأخلاق والعادات، حيث يألف القلب ما يشاهده من أفكار منحرفة ومظاهر فاتنة فيتأثر بذلك الفرد والمجتمع وينطبعان بهذا الطابع الفاسد. يقول المعلى الصوفي (شكوت إلى بعض الزهاد فساداً أجده في قلبي فقال هل نظرت إلى شيء فتاقت إليه نفسك قلت نعم قال احفظ عينيك فإنك إن أطلقتها أوقعتاك في مكروه وإن ملكتها ملكت جوارحك).

* تركيزكم على المسلسلات يعني رضاكم بما يعرض فيها فقد احتوى أحد المسلسلات مشاهد ظهرت فيه بطلة المسلسل حاملاً من البطل قبل الزواج وحصل جدال على نسب المولود وهذا السيناريو دعوة صريحة للزنا الذي فيه مفاسد عظيمة يفسد القلب والفكر ويوجب الذل والعار ويضيع النسل ويخلط الأنساب.

* التأثير السلبي على أجيال المستقبل فبدلاً من ذلك قو أهليكم ناراً بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم منه فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته.

* اعتقدتم بأن المجتمع مقارنة بما عرض بهذه المسلسلات يمارس حبس الحرية والتضييق على النساء ومنع التقدم والرفاهية وهذا ما صورته لكم أنفسكم والحقيقة عكس ذلك تماماً وانظروا إلى قول أحد مفكري الغرب فيرجل جيورجيو حينما قال (للمرأة عند العرب مكانة لا يحظى بها أي شيء آخر هي البساتين والأزهار والفواكه والأنهار هي ينابيع الربيع وعطر الأزهار المرأة عند العربي هي كل جمال وروائع الكون).

* العيب فيكم أصحاب الانتباه الاختياري رجالاً ونساءً فالمجتمع العربي مليء بالحب والروانسية وما فقتموه أنتم ليس بالضرورة أنه مفقود عند الجميع وحصولكم عليه ليس بالمستحيل إذا صححتم مفاهيمكم للحياة الزوجية فالجمال جمال الباطن وليس الظاهر فالظاهر زائل لا محالة.

* الجاليات التي تحمل جنسية أبطال هذه المسلسلات تذمروا منها وعارضوا عليها كثيراً وتبروأ مما يعرض فيه واعتبروه إساءة لهم وأنتم أيها الإخوة والأخوات تتغنون بها فهناك مثل يقول من يسمعك الكلام المعسول يطعمك بملعقة فارغة.

أخيراً: لقد كثر في عصرنا أسباب الفتن وتنوعت أساليبها وانفتحت أبوابها من ناحية وجاءت الوسائل الإعلامية ما بين مسموع ومشاهد في وقت كثر فيه الفراغ فعكف الناس عليها فتأثروا بها.

إن وسائل الإعلام بجميع أنواعها وسائل فعالة في المجتمع عقيدة وسلوكاً وأخلاقاً إذا استعملت في الخير وتبصير الناس في دينهم ومصالح دنياهم وإذا استعملت ضد ذلك كانت من أضر الوسائل وأفسدها وإنه من المؤسف في هذه الوسائل أن يكون فيها ما يدعو إلى الشر والفساد وانحطاط الأخلاق والتحلل من الفضيلة وإلى اختلاط النساء بالرجال وإلغاء الفوارق بينهم إما بصريح القول أو بالتخطيط البعيد والعمل من وراء الستار متجاهلاً هذا الداعي ما يهدف إليه الشرع من بناء الأخلاق الفاضلة والبعد عن الرذيلة. إنها فتن تمر علينا والبعض يهونون هذه الفتن في نفوسنا فيجلبونها إلينا بعد أن أفسدتهم ليفسدونا بها كما فسدوا ومازال الناس في عصرنا هذا يشاهدون ويسمعون كل وقت مظهراً جديداً من مظاهر الفتن كل فتنة يستنكرها الناس ويشمئزون منها حتى إذا لانت نفوس بعضهم جاءتهم فتنة أخرى فهي تترى علينا دون فتور أو ضعف لأنها وللأسف تجد مكاناً ومرتعاً.

الدوادمي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد