Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/12/2008 G Issue 13214
الثلاثاء 04 ذو الحجة 1429   العدد  13214
نحن والحوار
منصور بن صالح اليوسف

لقد تابعت بعض الحوارات التي تدور حول مناقشة بعض القضايا المختلفة في إحدى الفضائيات العربية، وقد لاحظت أن بعض المحاورين لم يوفق في استخدام اللغة المناسبة للحوار كاستخدام الكلمات النابية أو الأمثلة الرديئة، كما استخدمت أساليب غير مهذبة في تلك الحوارات وارتفعت الأصوات إلى عنان الفضاء بدون مبرر حقيقي ومنطقي مما جعل المشاهد ينفر من الحوار والمحاورين ويتمنى أنه لم يسمع تلك الألفاظ النابية منهم.

إن الرائي لتلك الحوارات يدرك تماماً أننا لا نجيد لغة الحوار ولا نعرف آدابه وأساليبه، كما يدرك أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن فهم حقيقي لمعنى الحوار ووسائله وآلياته، إن المتحاورين في تلك البرامج هم من النخبة وهم على مستوى عال من العلم والثقافة والتجربة يفترض أن تكون لهم سداً منيعاً وحصناً أميناً عن الزلات والهفوات، وبالتالي لا يمكن أن نجد مبرراً أو مسوغاً لتلك الألفاظ أو الأساليب الهابطة مهما كانت الأسباب والدوافع.

إن خروج المحاور عن أدب الحوار هو خروج عن السلوك السوي، كما أن المزايدة على الدين أو الوطن من المحاور هو هروب من الحوار نفسه ولا يمكن أن يشفع له هذا بأن تكون حجته أقوى أو موقفه أسمى من الآخر بل هو شبيه بولد نوح عندما قال لأبيه سآوي إلى جبل يعصمني من الماء فجاءت تلك الإجابة الخالدة من أبيه. ويجب أن يتذكر المزايد على الدين أو الوطن أن هناك آخرين كثيرين غيره في الماضي والحاضر قد قدموا أرواحهم في سبيل الدفاع عن الدين أو الوطن.

ولاشك أن من رأى بعض تلك الحوارات استيقن أننا لم ننجح في الماضي في ترسيخ مفهوم الحوار لدى عموم الناس مما يتطلب بالضرورة تفعيل ثقافة الحوار في المناهج التربوية في سن مبكرة لدى النشء الصاعد من الأجيال القادمة، كما أن على وسائل الإعلام المختلفة الترويج لثقافة الحوار من خلال برامج وندوات ومقالات واستطلاعات موجهة لعموم شرائح المجتمع، إضافة إلى ذلك فإن للعلماء وطلبة العلم والخطباء والدعاة دور مهم من خلال التركيز على الحوار وإعطاء أمثلة ونماذج حوارية وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

ومن أهم الأشياء التي يجب أن يتحلى بها المحاور هي السيطرة على العواطف والانفعالات، والتركيز على الفكرة وليس على الشخص أي أنه يمكن نقد الفكرة أو دحضها لكن لا يمكن التعرض لصاحبها بأي أذى سواء كان سباً أو شتماً أو قذفاً أو غير ذلك، إن المحاور أثناء الحوار كمثل المحاور للكرة في الملعب إذا استطاع أن يسيطر على عواطفه ومشاعره (أعصابه) استطاع أن يكسب الحوار أو المباراة.

أما من يفقد السيطرة على عواطفه وانفعالاته فسوف يخسر بكل تأكيد نفسه والآخر والحوار.

إن فكرة إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني هي فكرة رائدة وأصبحنا يوماً بعد يوم نحس بأهميتها ودورها في نشر ثقافة الحوار من خلال مناقشة كثير من القضايا المهمة التي تلامس حاجة الوطن والمواطن، كما ساهمت إلى حد كبير في كسر كثير من القيود والخطوط والموانع المصطنعة التي كانت تقف عائقاً في التعرف على أفكار الآخرين والسماع لهم وتفهم مواقفهم، وأعتقد أنه بالحوار يمكن أن يحدث التقارب والتسامح والتعاون بين أفراد المجتمع وبدون حوار يمكن أن ينتج التباعد والتربص والتباغض.

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد