Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207
الأميرة لولوة بنت عبدالعزيز الغائبة الحاضرة
مستورة عبدالله الوقداني

ذهبت لأداء العمرة ومجاورة بيت الله الحرام ليومين وكان بصحبتي ابني الصغير الذي هاله جدا أنه بعد كل صلاة مكتوبة تقام صلاة الأموات وليس ميتا واحدا فقط وبالطبع لأننا قريبون من الحرم كانت المشاهد قريبة وكانت فرصة تربوية لي ذاك الحوار الذي دار بيني وبين ابني حول الموت وأنه نهاية الحياة الدنيا وبداية الحياة الآخرة ولحظتها اكتشفت أن معلم ابني للعلوم الدينية معلم مخلص فقد شرح الموت وحسن الخاتمة بطريقة فيها عبرة وتأمل وحث ومثابرة وليس رعبا ورهبة قد تدمر النفوس الغضة حتى أن ابني صار ميالا للحرص على صلاته وعلى كثير من الآداب التي توصله لحسن الخاتمة أسأل الله لابني ومعلمه ولكل مخلص ومخلصة طولة العمر وحسن العمل، وظل الحوار بيني وبينه عن الموت والخاتمة بشكل أسعدني ولن أثقل عليكم بتفاصيل الحوار بيننا، لكنني لا أخفيكم دائرة التأمل التي درت فيها وتذكرت قول الشاعر:

ولدتك أمك يا بن آدم باكيا

والناس حولك يضحكون سرورا

فاحرص على وقت تكون إذا بكوا

في يوم موتك ضاحكا مسرورا

وتذكرت قول أحد السلف (بيننا وبينهم يوم الجنائز) فلا شك هو يوم مشهود إما لنا أو علينا جعلني الله وإياكم ممن يقال لهم لحظة الموت:

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى

رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} وجاء في خاطري كثير من الذكريات حول الموت وحسن الخاتمة وكثير من المشاهدات التي أثرت فينا ونحن نؤدي واجب العزاء هنا وهناك وكم غيب الموت عنا من أعلام وأحبة وصغار وكبار، وكم هناك من كان موته فرجا لأهله وربما مجتمعه وكم هناك من أناس ماتوا ومات معهم ذكرهم وأمثال هؤلاء لا نملك إلا أن نقول في حقهم (غفر الله لهم) وهناك من مات وكان فقده خسارة لأهله ومجتمعه ومنهم من ترك أثرا يحكي عنه ويخلد ذكره من أعمال طيبة أو ذرية صالحة هؤلاء يبقون بيننا ولا يغيبون إلا بأجسادهم ويظل ذكرهم يفوح عطرا ليتواجدوا بعد موتهم بآثارهم الطيبة فهنيئا لهؤلاء نظل نقولها ونرددها ونتمنى لأنفسنا السيرة العطرة بعد مماتنا، وفي الدائرة ذاتها التي درت فيها توقفت عند وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة (لولوة بنت عبدالعزيز) رحمها الله والتي وافتها المنية في عشر المغفرة من شهر رمضان المنصرم فكان من حسن خاتمتها وحظها الحسن وفاتها في شهر الرحمة والمغفرة وصلاة الجموع الغفيرة في بيت الله عليها وتشييع جنازتها، هذه المرأة العملاقة والتي أعتبرها فقيدة كبيرة في مجتمعنا لكن هذا عمرها وهذه مشيئة الله -فرحمها الله- سيدة بهذا الحجم ابنة ملك وأخت ملوك تربت وترعرعت في بيت ملكي إلا أنها جردت نفسها من عظمة الدنيا وامتلأت روحها تواضعا وحبا وعطفا على الصغار قبل الكبار وعلى الخدم قبل أبنائها كانت امرأة بوزن ألوف النساء، ابنة مثالية وأم مثالية وأخت مثالية.

والأميرة لولوة أميرة غرست في أبنائها وبناتها حب الآخرين ومساندتهم كما كانت رحمها الله تحب الناس وتعطف على المحتاجين وتؤازرهم وكانت من تواضعها وإنسانيتها تتفقد خدمها وتتابع أحوالهم وتسأل عمن يغيب منهم حتى وهي على فراش المرض شعرت وأنا أعايش بناتها أنني أمام سيرة لامرأة من ذاك الزمن، وكلما تحدثت مع ابنتها الأميرة الجوهرة ازداد شعوري بعظمة تلك الأم التي كانت خلف هذه الابنة التي نذرت نفسها لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وخدمة المحتاجين وكفكفة دموع الأيتام. فالفقيدة تحرص على متابعة أهل بيتها وفي مقدمتهم أبناؤها وبناتها هي بلا شك أم غير عادية، الأميرة التي تحث أبناءها وبناتها دوما على مكارم الأخلاق وحسن معاشرة الآخرين والتواضع وتذكرهم دوما بأن مكارم الأخلاق هي الباقية هي بلا شك أميرة غير عادية ولهذا هي لا تزال حاضرة في القلوب والعقول التي أحبتها وعايشتها فحقا إن مكارم الأخلاق هي التي ترقى بصاحبها فما أكثر ما وارى الموت من أناس انتهوا بموتهم وما أكثر من مات من دهور وما زالوا يعيشون بيننا وفي ذاكرتنا، وقد شدني جدا في حياة الأميرة لولوة بنت عبدالعزيز رحمها الله طيبها وحسن خلقها الذي عاشت به وعاش لها بعد موتها وشدني جدا ما تتمتع به أخواتها وبناتها من تواضع وحسن تعامل يحق لي التوقف عنده فحين ذهبت لأداء واجب العزاء شعرت وكأن البيت بيتي وجدت مجموعة كبيرة من الأميرات وعلى رأسهن صاحبة السمو الملكي الأميرة الجوهرة بنت عبدالعزيز وصاحبة السمو الملكي الأميرة لطيفة بنت عبدالعزيز.. شعرت وكأنني بين أفراد أسرتي إحساس لم أكن لأشعر به لولا التقدير والاحترام الذي لاقيناه وبدا لي حقيقة أنه ديدن الجميع ولمست بساطة ورقي وأدب جم في جميع الأميرات المتواجدات صغارا وكبارا وسرحت في حث الرسول عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحاديث على حسن الخلق وعلى التعامل الحسن فهو حقا مفتاح القلوب.










 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد