بفضل انخفاض أسعار الفائدة، ارتفاع السيولة العالمية وإلغاء القيود التنظيمية، فقد تعزر توسيع فقاعة الائتمان، مؤدية إلى وفرة متزايدة في القروض في الأسواق المالية. وانهيار في أسواق المال الأسهم وأسواق الائتمان الأمر الذي أفضى إلى (مشاعر يأس) ليس لها مبرر من جانب الأسس الاقتصادية في الاقتصاد الحقيقي.
المفتاح لفهم هذه الأزمة هو أن نرى أنها تولدت من داخل النظام المالي نفسه. ما نشهده ليس نتيجة لصدمة خارجية تبعد الاقتصاد عن توازن النموذج الاقتصادي السائد والتي يعتقد أن الأسواق منها ستعود لحالة التوازن الحقيقية هي أن الأسواق المالية مزعزعة للاستقرار الذاتي؛ وأحيانا تميل نحو التوازن، وليس التوازن الكامل.
إن الأسواق المالية لا تعكس الأسس الاقتصادية الفعلية فالتوقعات من جانب المضاربين والمستثمرين لا تتوافق بالضرورة مع واقع ما يحدث. ثم أن هذه التشوهات في الأسواق المالية يمكن أن تؤثر على أساسيات السوق كما يحدث عادة في كل من فقاعات وانهيار الأسواق.
إن عدم الاستقرار في الأسهم جزء من النظام، والرواج والكساد متواليات في النظام الرأسمالي، والفقاعات، جزء من النظام المالي.
فالحالة الراهنة ليست مجرد فقاعة في الإسكان. رغم أنها قد تكون البادئ والمحرك الذي أدى إلى فقاعة أكبر من ذلك بكثير, الفقاعة الضخمة أنشأتها الزيادة المطردة في استخدام الائتمان، مع الإيمان أن السوق سوف يصحح نفسه بنفسه!.
حقيقة وجود الفقاعات في النظام الاقتصادي يتطلب تدخل الحكومة لمنع حدوث فقاعات ضخمة. كما يتعين على الحكومات أن تدرك أن الأسواق لا تقوم بالتصحيح الذاتي.
نفس النوع من الفقاعات حدثت خلال القرن العشرين ومع وجود عقلية (دعه يعمل) حرية السوق الكاملة وبدون تنظيم حكومي نتجت الأزمة تلو الأزمة. مما دفع إلى صدور النظريات الاقتصادية التي توصي بتدخل الحكومة وإنشاء البنوك المركزية للتدخل عند الحاجة.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة حتى الآن (700 مليار دولار صفقة الإنقاذ)، وانخفاض أسعار الفائدة الاتحادية، ودعم ودائع الأوراق التجارية لم تنه هذه الأزمة, ويرجع ذلك إلى أن الحكومة الأمريكية اعتمدت على ايدولوجية الأصولية الرأسمالية وأن السوق سوف يصحح نفسه, وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون أعلن أنه يعتقد أن ستة أشهر من الأزمة كفيلة بأن يصحح السوق نفسه, ولكن على العكس فإن الأسواق العالمية واصلت نزيفها في الوقت الذي كان وزير الخزانة يهدف إلى التخلص من الديون الناتجة من التوريق وكان الاعتقاد أن الباقي سوف يصحح نفسه ولذا لم يروا في الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة لتدخل الحكومة. ولم يجهزوا خطة بديلة.
ولكن أخيراً أدركوا أن الحكومة لابد أن تتدخل بشراء أسهم البنوك لأنهم أدركوا أن النظام المالي على حافة الانهيار. الآن وبعد أن اتخذت السلطات الأمريكية في اتباع المسار الصحيح، وذلك بإعادة تكوين النظام المصرفي عن طريق شراء حصص في البنوك. وإعادة صفقات القروض بين البنوك مع تقديم ضمانات الليبور (سعر الفائدة بين البنوك) وإصلاح نظام الرهن العقاري في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى معالجة أوروبا ضعف اليورو من خلال خلق شبكة أمان للمصارف. والذي تمت الموافقة عليه مؤخرا قد يبدأ الوضع في التحسن.
انعكاسات الأزمة دفعت سياسة صندوق النقد الدولي للتعامل مع الدول المتضررة من الأزمة من خلال توفير شبكة الأمان المالي حيث ارتفع سعر الفائدة في ايسلند إلى 18% في محاولة لرفع قيمة عملتها المتضررة.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الألماني إلى باكستان في محاولة لإنقاذها من الإفلاس حيث انخفضت احتياطياتها النقدية إلى مستوى ضعيف جداً كما أعلنه الوزير نفسه. في المقابل فإن وجود الأخبار المالية العالمية على مدار ال24 ساعة اليومية يؤدي إلى المبالغة في تضخيم التشوهات في الأسواق المالية, ويخلق نوعا من الرعب والاندفاع في اتخاذ قرارات غير صحيحة ولا تعكس حقيقة السوق, لذا أعتقد أن الخطوات التي تم اتباعها في إصلاح السوق ستكون بداية عملية التصحيح وتنفيذ هذه التدابير على نحو فعال، سيؤدي إلى نهاية الأزمة المالية.