يخطئ من الأبناء حين يظنون أن الحياة كانت سهلة وميسرة في زمن الآباء.. فضلاً عن الأجداد الذين (تقوست) ظهورهم في مكابدة الحياة في الأزمنة الغابرة في البحث عن سبل العيش في مراعيهم، وتجارتهم، وحرفهم المتعددة في حقبة مضت بحلوها ومرها، ليأتي الجيل الثالث، ليكمل وما هو بالمكمل، وهذا ليس تشاؤما ولكنه الوضع الناضج الواضح للعيان.
فكيف يصعب على جيل اليوم الذي هو الجيل الثالث، والبحث عن مصادر رزقهم من بين كافة المهن، رغم بساطة ويسر مباحث الموارد الجمة، لا سيما والكثير منهم من حملة المؤهلات العلمية المتنوعة التخصصات، ففي اعتقادهم أنهم حينما حاولوا مرة تلو مرة أن طرق الحياة قد سدت في وجوههم قاصرين البحث عن (الوظيفة) المكتبية، رغم وجود المهن الأخرى، ولماذا الطلب على الوظائف الإدارية؟ لأنها من منظورهم الذهني لا تتطلب العناء والمشقة، يريدونها وظيفة إدارية ذات التكييف النافخ والمسمى الإداري الشامخ!
لا يريدون العمل تحت (أشعة) الشمس والانصهار في بوتقة حرارتها فهي تؤثر حسب زعمهم على بشرتهم، ويعتبرون ذلك عملا مضنيا ومرهقا وحارقا، وما خبروا أن للشمس فوائد متعددة منها تقوية العظام وطرد هشاشتها والقضاء على البكتيريا العالقة بمسام الجلد، أما الجلوس لجانب التكييف لساعات طويلة فهو المرض بعينه كالروماتيزم والإنفلونزا وغيرها، فلو ألقوا نظرة على المهنيين العاملين تحت الشمس، والبدو القاطنين بالصحراء لأدركوا معنى قوة أبدانهم وخفة تحركاتهم، والطبيب ينصح في فتح نوافذ البيوت للشمس ووجوب تعرض الأطفال للشمس بعض الوقت لتقوية عظامهم.
فالوظيفة المكتبية هي ليست للراحة وتزجيه الوقت فهذا هو الخمول والتراخي، وإنهاء بعض المعاملات، التي من الممكن لو احتسبت انتاجية الفرد يومها لما أتت حسب المبتغى من الانتاجية الصحيحة، وقد أهدرت ساعات العمل بالكلام الذي لا فائدة منه ويبقى المواطن هو الضحية للموظف، فإن شاء أنجزه وإن شاء أعجزه بالمراجعة، وهذه حقيقة واضحة للعيان في مصالحنا الحكومية، التي من المفترض أن يكون الموظفون العاملون بها ذوي إنتاجية سريعة وميسرة، ولو بحثنا حقيقة عن السبب فإنه يعود لعدم الوعي العملي التدريبي عند الموظف، لأنه لا يدرك معنى إدارة الوقت ومن ثم المسؤولية المناطة به، وإنما اتخذت (الوظيفة) كتسجيل حضور يومي والعمل كيفما كان يكون، وربما هذه نتيجة الإقبال على الوظائف المكتبية دائرين ظهورهم للأعمال (الفنية) ذات القوة والدقة والإنتاجية التي يتم التعامل معها بحذر لدرء المخاطر.
ليتهم يقبلون على الوظائف الفنية وهي (التقنية) ذات الأعمال المتعددة والمتنوعة الأساليب (الالكترونية) الحديثة، فهذا علم بذاته، فالمؤسسات الحكومية والشركات بل أسواقنا المحلية بحاجة ماسة لمثل هذه التخصصات الفنية في عالم التقنية، وهذه هي الأفضل لهم من الوظائف الادارية، والمثل يقول (صنعة باليد خير من الفقر) فالوظيفة المكتبية بإمكانه تركها لأي ظرف طارئ، وستبقى الخبرة الفنية المكتسبة بالمران هي الذخيرة التي يعود إليها عند الحاجة!
لتتركوا الخمول والتراخي وحب المظاهر البراقة الكاذبة، ولتنهضوا نحو الأماكن العملية الراقية لكي ترتقوا بمستوياتكم الفكرية لبلوغ الدرجات العلى في التكيف مع معطيات العصر الحديث في عالم التقنية وتتقنوا أسرارها وخباياها بل تتزودا بها، واستمسكوا بالعزم والصبر والجلد، ضد الخمول والتراخي والكسل، فإن هاتين الصفتين هما الباعث المثبط للهمم، فإنه لم يعد التكالب على الوظائف العادية بذي أهمية قصوى حالياً، فقد أتى من يقوم بأعمال جليلة بالمكاتب والذي بإمكانه أن ينوب عن مجموعة من الموظفين ألا وهو (الكمبيوتر) فهو السهل والمريح وذو الانتاجية السريعة ووفق أساليب حديثة، وهذا سيكون الاداة المساعدة في أعمال (السكرتارية) التي ستكون مقصورة على الفتيات اللاتي سيتولين هذه الأعمال المكتبية فيما بعد بصفة عامة، مثلما هو حاصل حالياً بالبنوك والمستشفيات والمؤسسات وبيوت الخبرة بصفة خاصة والخير آت للعمل من الجنسين.
انظروا لما حولكم من هذه الأعمال الفنية ذات الوظائف العديدة من الممسك بزمامها، وهل هؤلاء هبطوا من المريخ فجأة علينا؟ أبداً جاؤوا من بلدانهم العربية والإسلامية إخوة لنا عملوا معنا ولنا، في شركات الطيران والبنوك والمستشفيات، ومن قبل بمصالحنا الحكومية قاطبة وساهموا في تنمية بلادنا بعلومهم وخبراتهم.
وإنه حري، بكم التعلم والعمل في مجال (التقنية) فهل تساعدون أنفسكم لكي تساعدوا وطنكم؟ لأن الوطن بحاجة ماسة لمثل هذه التخصصات الفنية، فهنا يكون الحق والمستحق، الحق لكم في المكتسب العلمي والمعاشي، والمستحق منكم خدمة الوطن التي هي من أولويات اهتمام الجميع به نحو حضارة علمية راقية متناغمة مع عصر التكنولوجيا الحديثة.
فاكس 6982218-02