يرسل لي بعض القراء رسائل عتب يصل إلى حد التقريع، عندما تتطرق زاويتي إلى موضوع أدبي أو فكري سواء كتاب، قضية أو حتى عمل درامي.
فهم يريدون الزاوية ملتهبة دوماً بالقضايا الساخنة المقلقة والمستعصية مستجيبة لوقع الحياة اليومي ونبضها السريع، وما بين الأدبي والإعلامي أظل أراوح وأنا أعلم أن وجودي في المقام الإعلامي هو طارئ مؤقت قد تداخل واقتحم الأدبي الذي منه انطلقت وإليه أعود.
لا أود أن أسترسل في هذة المقدمة ولكن من حق بعض القراء من المهتمين أن أشاركهم من خلال زاويتي بعض الكتب المهمة أو الجميلة (أو التي أراها أنا كذلك)، لربما للتعريف أو المناقشة أو حتى من باب إلقاء الضوء، لاسيما أن زاوية الخميس تتزامن مع نهاية أسبوع يميل فيه القراء إلى الاسترخاء والتأمل
وكتاب الكاتبة اللبنانية (حنان الشيخ) الأخير (حكايتي شرح يطول) أعتقد أنه العمل المنعطف في حياتها الأدبية فهي بعد روايتها الأولى (حكاية زهرة)، ومن ثم رواية (مسك الغزال) ورواية (إنها لندن يا عزيزتي) لم تصل إلى مرحلة النضج الفني والتمكن من الأدوات كالتي هي عليه في روايتها التي تختصر السيرة الذاتية لوالدتها (حكايتي شرح يطول)، حتى أنني في كثير من صفحات الرواية كنت أتوقف لأقول: لربما شاءت الأقدار أن تكون ابنة (كاملة) بطلة الرواية أديبة روائية فقط لترصد قصتها العجيبة المتشابكة التي تمتد فصولها على طوال القرن الماضي، ابتداءً من الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على العالم العربي ولبنان تحديداً وصولاً إلى الوقت الحاضر.
الرواية لا تلجأ إلى التكنيك المعقد أو الأساليب السردية الغامضة والملتوية، لكن جمالها الفني يبرز من خلال مهارة الروائية الفائقة في اختيار زاوية الالتقاط، فمن خلال رصد تفاصيل وأحداث وتواريخ بعينها وإبرازها تنقل لنا الكثير من المفارقات الإنسانية والوجودية التي تعرضت لها فتاة من الجنوب اللبناني كانت محاصرة بالجوع والخوف وتقاليد صارمة، كانت تقطف روحها المرة تلو الأخرى.
وعبر صفحات الكتاب نسير مع البطلة عبر فصول حياتها الغرائبية المبتدئة من سهول الجنوب في النبطية التي كانت تتسلل إليها لتلتقط بقايا الحبوب والثمار لتسد جوعها بعد مواسم الحصاد، مروراً بزواجها الظالم وهي ما برحت طفلة في العاشرة من عمرها، انتهاء ببقية تفاصيل حياتها التي كانت أثناءها أرجوحة الدنيا تتلاعب بها ما بين شهقة فرح نزولاً إلى تنهيدة حزن، وبين هذا وذاك يوجد كم وافر من الأحداث التي تشد انتباه القارئ وتثير فضوله وتطلعه على تجارب لطالما كانت مغيبة عن إدراكه.
(حكايتي شرح يطول) هي الرواية المنعطف في تجربة حنان الشيخ، لعلها كانت تكتبها بود وتبتل وبشفقة، ولعله عملها الحلم، الذي يمضي كل كاتب حياته مكرساً تجربته كي يصل إليه.. ولكن الشرح في الرواية لم يطل بل انساب جميلاً متدفقاً يشبه نهراً لبنانياً رائقاً عذباً.