عبرت في طريق عودتي بدار صديقة أكن لها من الود ما تراكم عبر سنوات من وفاء لا أحسب أن نفوس الناس في عالم متغير تستطيع الصمود عليه, والتقلبات المناخية والمنعطفات المرحلية قد شدت أحزمتها على خاصرات كل أواصر الثبات والصمود والديمومة في أشياء من حول الإنسان لكنها على كل الأحوال ليست عابرة أو هينة..., قلت أطمئن عليها وعلى صغارها الذين كلما غبت وعدت وجدت سيقانهم قد طالت فأصر عليهم بأنني شقيقة أمهم التي لا تسمح الحياة برؤيتهم إلا عند عبور.., فإذا بعيونهم تتحرك يمنة ويسرة يقلبون في أذهانهم فكرة القربى مع الشتات!! لكنهم يعودون للاستسلام بأن القرابة ليست على الدوام هي رؤية الإنسان أخيه ذاهباً وآيباً إليه..,!! فإذا أصغر أبنائها يحدثني قائلاً: أتصدقين يا خالتي العزيزة أنني قبل سنوات قليلة كنت في الفصل وجاءنا معلم للغة العربية يدعى يوسف وكان عمي يوسف وخالي يوسف وجار لأهل أبي من السودان اسمه يوسف وجار لنا من الأردن يدعى يوسف فوقفت أسأل معلمي: لماذا اسمك يوسف؟.. فأخبرني أن ذلك اختيار أبيه وذهب يبرر لي رضاءه عن اسمه لأنه اسم نبي، وأن قصة هذا النبي تبكي أمه كلما قرأت سورة يوسف.., فتذكرت بكاء أمي عندما تجلس للقرآن حتى إنني كنت أخاف أن تبكي كلما همت بالجلوس إلى سجادتها وتناولت مصحفها.. فأطلب إليها أن لا تبكي.., واصل ابن صديقتي وهو يتحدث ونحن نصغي إليه في دهشة إعجاب بالغة.., قلت نعم أتم بني.. فواصل، قال: معلمي أمضى الحصة وهو يتحدث عن اسمه.., وندمت حينذاك لأن زملائي اتهموني بإراقة دم الحصة وشتات لحظاتها.., ثم عندما جئت أبي مساء أسأله عن تعددية الأسماء مع اختلاف الجنس واللون.. أحضر لي كتاباً فيه كشف من الأسماء مرتبة فعرفت فيما بعد بأنه معجم لأسماء مشاهير في التاريخ الإسلامي وهو تخصص أبي كما تعلمين.. من يومها خالتي عرفت أن مئات المحمدين في جميع القارات هم مسلمون وبأنهم يحملون اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت ألوانهم ومواقعهم لكنهم يجتمعون على رقعة التوحد الروحي بالإيمان.., تبسمنا أنا وأمه وأدركنا كيف قدر هذا الصغير أن يختصر لإخوته الهوية الأدق والأوسع التي تربطني وأمه بأواصرها..