متابعة - محمد المنيف:
لم يتوقع المتابعون لفكرة ملتقى الفنانين التشكيليين العرب، أن يستمر في دوراته أو أن يزداد عدد المنتمين إليه للعديد من الأسباب، منها صعوبة دعم الفكرة وتباعد المسافات بين المكان الذي يقام فيه الملتقى وبين المشاركين فيه، خصوصاً إذا علمنا أن مختلف الملتقيات التشكيلية العربية تقوم بدعم رسمي وعبر جهات مختصة بالفنون، ولهذا جاء هذا التوقع حول إمكانية عودة خطوات هذا الملتقى الذي يقوم على جهود فردية، حيث كانت البداية في مرسم الفنان سعود الدريبي بالدوادمي بأربعة فنانين، ثم بمحطة القطيف بمرسم الفنان عبد العظيم الضامن، حيث وصل العدد فيه إلى ثلاثين فناناً من بينهم عدد من الفنانين الخليجيين وآخرين من دول عربية، وصولاً إلى المحطة الثالثة التي يتولى الفنان العبيد استضافتها في مرسمه بالرياض، والذي أشار في حديثه للصفحة إلى أنها تضم ما يقارب الخمسين فناناً من مختلف الدول العربية والخليجية ومن الفنانين بالمملكة، وأعد لها إعداد متكامل لكل ما يتعلق بورش الرسم ومكان اللقاء، إضافة إلى زيارة جاليري حوار وإقامة أمسية لفتح مجال الحوارات بين المشاركين، والواقع أنّ إقامتها في الرياض العاصمة سيكون له أثره وسيحظى بالأضواء الإعلامية والمتابعة من قِبل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى ومنها جريدة الجزيرة، ممثلة في هذه الصفحة تقديراً للفكرة، كما حظيت بقية المناشط الثقافية التي تقام خلال الموسم، ودعماً للزميل النشط الفنان سعد العبيد الذي كرّس نفسه لخدمة هذا الفن.
نعود للقول إن هذا الإعداد والتنوع في الجنسيات المشاركة بالملتقى لا يمكن أن يتم احتواؤه دون التنسيق المبكر والإعداد المدروس والدعم المادي والمعنوي، لتغطية تبعات الملتقى من سكن وتذاكر سفر، وإعداد المكان للورش والندوات، والذي استطاع الزميل الفنان العبيد القيام به بوقت مبكر.
الملتقى التشكيلي .. الحمل الأثقل
وإذا كنا نعرف ما قدمه الفنان العبيد للساحة التشكيلية كما يعرفه مختلف أطيافها، فإننا هذه الأيام نعيش معه ونسعد بأن نتابع ما يعتزم تنفيذه لتنظيم هذا الملتقى العربي، الذي يُعد الأكبر والأبرز على مستوى الساحة في الرياض من حيث عدد المشاركين وتحمل تبعات تنفيذه، وهو مربط الفرس، فالفنان العبيد تعوّد على أن يواجه المصاعب ويذللها، ولا يقبل غير النجاح الذي كان له الكثير منه في مساهماته السابقة، ليأتي هذا الملتقى بكل ثقله وهمومه وفي قدمتها كيفية دعمه وتغطية تكلفته، فكان لعلاقاته المتميزة مع كثير من القطاع الخاص والرسمي ما أذاب الجليد وأضاء له الطريق وفتح له سبل الانطلاق لتحقيق هذا الحضور الذي كان يعتبره حلماً يتكرر كلما التقى بفنانين عرب في المناسبات الدولية التي يمثل بها المملكة، فحظي بدعم من وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام ومن شركة الهوشان عبر الخليج وجاليري حوار، ومن جماعة ألوان التي يشكّل العبيد أبرز مؤسسيها ومحركها النشط، هذه الخطوة يراها الجميع دعماً للفن التشكيلي من خلال ما يقوم بها الفنانون أنفسهم، وقوفاً مع الجهات المعنية , فخدمة الوطن ليست وقفاً على مؤسسة أو فرد بعينه بقدر ما هي واجب ومطلب يتحمله كل من سار على أرض الوطن واستنشق هواءه ونعم بخيراته.
برنامج حافل
تنطلق أولى فعاليات الملتقى بعرض لتجارب الفنانين بعد وجبة الغداء يوم الأربعاء، ثم ورشة العمل التي تتمثل في قيام المشاركين برسم لوحات فنية تم الإعداد لها من قبل المستضيف الفنان العبيد من أدوات التنفيذ كالفرش والألوان وحوامل اللوحات، ستوزع في مرسم العبيد وفي مساحات حديقة المنزل .. هذه الورش سيتم العمل فيها على مدى الثلاثة أيام، تتخللها وجبات منها وجبتا عشاء قدمتا من قِبل وزارة الثقافة والإعلام والأخرى من قاليري حوار ستعدان في موقع المرسم، إضافة إلى زيارات خاصة لمرافق ومؤسسات من بينها زيارة قاليري حوار ببرج المملكة التجاري، أما يوم الجمعة فستضاف جلسة حوار مفتوحة حول الملتقى ونتائجه التي تمت في الورش والزيارات التي قام بها ضيوف الملتقى والمشاركون فيه.
العبيد والبساط الأحمدي
عُرف عن الفنان سعد العبيد تعامله مع الآخرين دون تكلف، ومن هنا جعل البساط أحمدي في هذا الملتقى بتخصيصه مجالسه الرسمية مسكناً لغالبية ضيوفه، فهيئاً لهم سبل الراحة وكأني به يقول (البيت بيتكم) أو كما قال الشاعر (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزلي) فقد اطلعت على جدول وزع في أماكن نوم ضيوفه منها المجلس وغرفة الطعام وغرفة الضيوف الملحقة بالمرسم، هذا التصرف والحرص من الزميل العبيد لم يكن جديداً فقد دأب على استضافة الكثير من أحبته القادمين من مختلف مناطق المملكة من أجل المناسبات التشكيلية المقامة في العاصمة الرياض.
مايسترو المحطة الثالثة
لنا أن نتوقف قليلاً عند مايسترو المحطة الثالثة مستضيف الفنانين الزميل الفنان سعد العبيد لنتحدث عن هذا الفنان، تقديراً لجهده الذي جمع فيه هذا العدد من الفنانين، وهو جهد لا يستغرب منه، فالفنان المخضرم سعد العبيد يُعد من أوائل الممارسين للفن التشكيلي السعودي ومن رواد البدايات فيه، في وقت لم يكن يتوقع الزميل العبيد أن يتحقق للفن السعودي ما تحقق له حالياً، فقد كانت البداية ميولاً تدفعه الموهبة الإبداعية التي ولدت معه وأصبحت هاجسه الأول والأخير، فكان لا يترك جداراً في منزلهم إلا وترك عليه بصمة أو أثراً يراها والده - يرحمه الله - أنها عبث وإهدار للوقت وتشويه لجدران المنزل التي جملت بالجص والأسمنت، إلا أنّ الفنان الصغير كان يرى في تلك الخربشات عبارات ورسائل وجدانية يتلقّى ردود الفعل عليها من أترابه ومن والدته وأخواته المشجعين له، فأصبحت تلك البدايات أو تلك اللمسات علامات تشير إلى ما سيكون عليه الفنان سعد العبيد في مرحلته الحالية التي يتمتع فيها بالعمر المديد والخبرات الطويلة ممارساً للفن أو متفاعلاً مع ما يطرأ عليه من جديد، أو فاعلاً بمساهماته الكبيرة في الكثير من الخطوات التي تشكّل منها هذا الفن على مدى السنوات الماضية التي تتجاوز أكثر من خمسين عاماً، هذا الفنان استطاع أن يضع له بصمات عدة ابتداءً مما كان يتركه على جدران منزله في طفولته كما أشرنا مروراً بعمله رساماً للديكور بالتلفزيون، وبما قام به من أعمال إدارية وتنظيمية في مجال الفنون التشكيلية من أبرزها رئاسته للجنة الفنون التشكيلية بالجمعية السعودية للثقافة والفنون، ومشاركته في تحكيم العديد من المعارض، وصولاً إلى دعمه الحالي للفن رغم حاجته لأن يستريح من هذا العناء استراحة المحارب، إلا أنه يصر على أن لا يترك فرصة يرى أنه قادر على تقديم شيء من خلالها للساحة، ولهذا قام بالمشاركة الفاعلة والهامة بتأسيس جماعة ألوان، باعتباره أبرز المؤسسين لها وأكثرهم نشاطاً ومتابعة، إلى أن أصبح لهذه الجماعة شأن في الساحة، ويستمر دعم هذا الفنان الذي يزداد لمعاناً كلما صهرته الحياة ويقدم الكثير من الفعاليات ويشارك في مختلف المناشط التشكيلية.