تأثرت وأنا أقرأ المقال الذي نشره الصديق الأستاذ تركي الدخيل في جريدة (الوطن) عن تعليق قرأه والده في سياق خبر وفاة والدته- رحمها الله- في أحد مواقع الإنترنت، ترحم فيه صاحب التعليق على الفقيدة، و(لعن) تركي.
الشتم أو السب أو التجريح الشخصي لمجرد الاختلاف هو ضرب من ضروب الإفلاس. والذي يشتم ويسب يُعبّر - ربما دون وعي - عن المأزق الذي وجد نفسه فيه؛ فهو لا يحسن الرد، والحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، فيلجأ إلى الأسلوب العربي التقليدي (الهجاء). ومثل هؤلاء الأشخاص مثال جيد لأولئك الذين وجدوا أنفسهم في زمن الحوار والنقاش أضعف من أي وقت مضى، وأن الرأي الآخر قد عراهم، وهز قناعاتهم، وزلزل مواقفهم، وفضح هشاشة فكرهم، وشتت شمل المصفقين لهم، فكشف هذا العري عن (دناءة) في القول والعمل، وربما في الاعتقاد أيضاً، تؤكد أن مثل هؤلاء لا يهمهم الإسلام، ولا قيم الإسلام، ولا أخلاقيات الإسلام بقدر ما يهمهم (انتصار) التيار الايديولوجي المسيّس الذي ينتمون إليه، وبه ارتبطت مصالحهم، وأكل عيشهم؛ فالحب والحمية ليست للإسلام - وإن ادعوا ذلك زورا وكذبا ويهتانا - وإنما (للفرقة) التي ينتمون إليها سياسياً، والتي تسوغ لهم الاساءة للمخالف حتى وإن كان مسلما موحدا تحت ذريعة الذب عن الدين. لذلك فهم لا يراعون الله - جل وعلا - بقدر ما يراعون مصالح تيارهم الذي ساهم في كشفه (تركي الدخيل) في برنامجه الشهير (إضاءات).
أعرف أن (الغلاة) الذين أطبقوا على الوعي الديني ردحا من الزمن في بلادنا شمسهم الآن في طريقها للمغيب، أو كما يقولون: (على أطراف العسبان). كما أعرف أن ثغاء الشاة وهي تساق إلى النهاية لم ينجها من مصيرها الحتمي؛ فأنا من المتفائلين جداً بأن المستقبل (المشرق) الذي عملنا ومازلنا نعمل من أجله نعيش اليوم في خضم لحظات مخاض مولده. وبالقدر الذي نعطي لأنفسنا حق النقد، وحق الكشف، وحق مناقشة (القيم) المفبركة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإن من حقهم الرد. وإن لجؤوا إلى السب والتجريح الشخصي، أو كما يقولون: للضرب غير الأخلاقي أو (الدس) الرخيص، أو الإسفاف في التهم، أو التخوين والتفسيق وحتى التكفير، فهذا شأنهم؛ ومثل هذه الممارسات في المحصلة تدينهم، وتساعد على كشفهم؛ دعهم يقولون ما يشاؤون، فالعبرة في نهاية المطاف بالنتائج، وهذه النتائج هي كما ترون بأم أعينكم على أرض الواقع؛ وازن بين قوتهم في الأمس، وكيف هم اليوم.
نعم، الطريق مازال طويلاً، وشاقاً، ومحفوفاً بالمفاجآت؛ وربما تأتي الرياح في الاتجاه المغاير، غير أن الذي نلمسه، ويلمسه معنا كل إنسان واقعي، أن اليوم أفضل من الأمس؛ وكل المؤشرات تؤكد أن غداً سيكون أفضل من اليوم؛ وهذا ما يضفي علينا جوا من التفاؤل والاستبشار بالمستقبل؛ فالطريق الطويل يبدأ من خطوة واحدة، فكيف وقد مشينا فيه خطوات؟
أخي تركي: تأكد أن من يقرأ التاريخ سيكتشف صواب مقولة: (لا يصح في نهاية الأمر إلا الصحيح). رحم الله والدتك، وأسكنها فسيح جناته، وجبر مصيبتكم. ودمت متألقاً في سبيل وطنك. إلى اللقاء.