Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/10/2008 G Issue 13176
السبت 26 شوال 1429   العدد  13176
أوروبا الزرقاء.. وآسيا الحمراء
دومينيك مويزي

هل من الجائز أن تكون أوروبا (ولاية زرقاء) ديمقراطية، وأن تكون آسيا (ولاية حمراء) جمهورية؟

إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشكل اختباراً يكاد يقترب من الكمال لفهم الاختلاف بين نظرة أوروبا إلى العالم ونظرة آسيا إليه، رغم بُعد كل من القارتين عن التوحد داخلياً. فإن كنت تريد لأمريكا أن تتحول إلى مثالٍ يحتذى للزعامة على مستوى العالم، فلابد وأنك تفضل باراك أوباما؛ وإن كنت تريد الاطمئنان إلى استمرار أمريكا في العمل كقوة قادرة على توفير الحس الأمني التقليدي، فربما تفضل جون ماكين.

بينما يميل أغلب الأوروبيين - باستثناء أولئك الذين يتملكهم هاجس عودة (الدب الروسي) لأسباب تاريخية وجغرافية - إلى تأييد أوباما، يبدو أن أغلب الآسيويين، وخاصة أهل النخبة منهم، يميلون إلى دعم ماكين. ويبدو أن هذا الاختلاف راجع في المقام الأول إلى اعتبارات إستراتيجية، إلا أنه قد يحمل أيضا بعداً ثقافياً.

ففي آسيا قد تبدو إندونيسيا (أوروبية) في هوسها بأوباما، بيد أن هذا يشكل في الأساس حالة شاذة يمكن تفسيرها بسهولة بالفترة الوجيزة التي أمضاها أوباما من سنوات نشأته في إندونيسيا. باستثناء ذلك، ولأسباب مختلفة تماماً، ينتظر أهل النخبة في آسيا الاحتمالات المتنامية بانتصار أوباما بقدر عظيم من الارتباك بل وحتى الخوف.

على سبيل المثال، يميل أهل النخبة في اليابان إلى تفضيل الاستمرارية على التغيير. ففي اعتقادهم أن قوة الولايات المتحدة الصارمة تشكل أهمية أعظم من قوتها الناعمة، ولم تتغير نظرتهم كثيراً إلى أمريكا باعتبارها أمة (محتم عليها أن تقود). وهم يرون في الولايات المتحدة في المقام الأول الثِقَل الإستراتيجي المطلوب لموازنة ثِقَل الصين المتزايد. ولكن الصينيين أيضا قد يميلون إلى تأييد ماكين في أغلب الظن، ولكن لسبب معاكس. وذلك لأن انحدار صورة أمريكا ونفوذها في العالم لا يشكل بالنسبة لهم أي ضيق أو انزعاج. فباعتبارها القوة الرائدة في آسيا استولت الصين على شعلة (الأمل) من الولايات المتحدة. وقد تتمكن أمريكا من استعادة الشعلة تحت زعامة أوباما، ولكن ليس تحت زعامة ماكين. ما الذي يدفع الصين إذا إلى تأييد التغيير ما دامت الاستمرارية تحقق لها مصالحها على أفضل وجه؟

توصل أهل النخبة في الهند أيضا إلى نفس الاستنتاج ولكن لأسباب مختلفة. فقد تزامنت أعوام بوش مع ترسيخ الهند لمكانتها الدولية وبروزها كشريك دبلوماسي أساسي للولايات المتحدة في آسيا. وفي سنغافورة كانت الاعتبارات الإيديولوجية سبباً في تعزيز المصالح الإستراتيجية. فمن الطبيعي أن يميل النظام شديد المحافظة في سنغافورة إلى تفضيل المرشح الجمهوري على الديمقراطي.

ولكن إلى جانب الاعتبارات الإستراتيجية، ثمة أمر آخر يتعين علينا أن نذكره (بحرص). قد يكون من المبكر للغاية أن نقول: إن (الرجل الأصفر) (على وشك أن يحمل (عبء الرجل الأبيض) الذي حمله في تاريخ العالم طبقاً لمقولة روديارد كيبلينغ القديمة. إذ أن الآسيويين يتباطؤون في الإقرار بأن القوة تستلزم تحمل مسؤوليات دولية. بيد أن الآسيويين الذين لحقوا بالغرب، بل وسبقوه، ربما يجدون صعوبة في التكيف مع فكرة أن الولايات المتحدة قد لا يحكمها رئيس أبيض للمرة الأولى في التاريخ. فكيف للمرء أن يُعَرَّف نفسه للغرب بعد أن غير الغرب مظهره، إن لم يكن جوهره، إلى هذا الحد؟

ويصدق العكس تماماً بالنسبة لأوروبا، حيث الطبيعة الجوهرية المعقدة التي يتسم بها باراك أوباما تشكل إضافة مطلقة. فبالنسبة للبلدان الأوروبية الاستعمارية سابقاً، والتي لا يوجد بها من يعادل أوباما، يصبح تقديم الدعم الكامل له نوعاً من طرد أشباح الماضي، إن لم يكن نوعاً من الافتداء أو التكفير. وعلى نحو أكثر تقليدية نستطيع أن نقول: إن أعمق مشاعر العداء المناهضة للرئيس بوش في أوروبا تفسر عمق مشاعر التأييد التي يحملها الأوروبيون تجاه أوباما ونفورهم النسبي من ترشيح ماكين.

لقد شعر الأوروبيون بالقمع بفعل إفراط أمريكا في استعراض قوتها الصارمة. وعلى هذا فهم لا يجدون ضيراً في عودة أمريكا التي كانت أكثر تواضعاً في الخارج وأكثر طموحاً في الداخل. وهم في حقيقة الأمر يتمنون في السِر لو ينعكس عليهم في هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة ولو جزء من (ثقافة الأمل) التي يجسدها أوباما، والتي من شأنها أن تحولهم نحو الأفضل. فهم لا يريدون من الولايات المتحدة أن تحميهم فحسب، بل وأن تحولهم أيضاً.

إن النظر إلى أوباما باعتباره الرجل القادر على تغيير نظرة أهل الولايات المتحدة والغرب إلى أنفسهم يشكل عاملاً مهماً في الفجوة العاطفية التي ربما تكون قائمة الآن بين آسيا وأوروبا في عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وعلى هذا فإن آسيا تميل إلى مناصرة الوضع الراهن، بينما تميل أوروبا إلى مناصرة التعديل والتغيير. وبالنسبة للعديد من الأوروبيين فإن إعادة اكتشاف أمريكا تشكل الأمل الأخير الباقي أمام أوروبا.

إنه لهدف نبيل، ولكنه محفوف بالمخاطر أيضاً، إذ إن الأحلام قد تتحول بسهولة إلى كوابيس. وقد يحدث هذا إذا فشل رئيس أمريكا القادم في معالجة التهديدات المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد، وبالتالي بقية العالم.

دومينيك مويزي مؤسس وكبير مستشاري المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، ويعمل حالياً أستاذاً بكلية أوروبا في ناتولين بمدينة وارسو.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008
خاص بـ(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد