Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/10/2008 G Issue 13173
الاربعاء 23 شوال 1429   العدد  13173
صلاتنا في حياتنا وحياتنا في صلاتنا
د. علي بن شايع النفيسة

ما أحوجنا إلى أن تكون صلاتنا في حياتنا رصيد لنا قبل مماتنا وأن يكون تأثير صلاتنا على حياتنا كحياتنا في صلاتنا ولنا في السلف الصالح قدوة حسنة فقد كانت الصلاة بالنسبة لهم تعني كمال مدلولها الشرعي (صلة بين العبد وربه) بل لقد أثر أن أحدهم يرتجف عند الوضوء استعدادا للصلاة فلما سأل عن ذلك أخبرهم أنه يستشعر الاستعداد للوقوف بين يدي رب العالمين بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل عندما يقرأ القرآن وعندما يقف بين يدي رب العالمين مستشعرا عظمة الموقف وعظمة الموقوف له وعظمة الموقوف به بل لقد أخبرنا الحبيب المصطفى الناصح لأمته متى نكون الأقرب إلى الله حيث نكون سجودا قد وضعنا أنوفنا في الأرض ذلا لله وحده وأمرنا بالإكثار من الدعاء في هذا الموقف (فقمن أن يستجاب لنا) أي قريب لكمال التذلل لله في حال السجود مما يستدعي استشعار تلك الفرص واستغلالها وهذا يعني بالجملة أهمية العناية بالصلاة بشكل جاد واستعداد نفسي يدفع بالإنسان المسلم إلى الأخذ بالتعليمات والتوجيهات النبوية المستمدة من الوحي الرباني بضرورة إقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها بل وسننها لنلمس تأثيرها على حياتنا وسلوكنا وإيماننا فالله حق ولا يقول إلا حقا وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} ووالله إنها كذلك تصديقا لربنا لكنها الصلاة بمعناها الشمولي وبمتطلباتها المادية منها والإيمانية فمتى ما استشعر المسلم أن الله أكبر من كل شيء كما يردد ذلك بالتكبير مفتتحا به الصلاة وبأن الله العظيم كما يعظمه في الركوع وبأن الله الاعلى كما يسبحه بذلك في السجود وبتكرار طلب المغفرة من الله كما يتوجب عليه قوله بين السجدتين وهلم جرا من أذكار الصلاة وما يتخللها من آيات قرآنية تحمل في معانيها تعظيم الله والاعتراف بربوبيته وألوهيته والإيمان بجنته بوصفها المشوق والإيمان بناره بوصفها الزاجر وما يتخلل تلك الآيات القرآنية من دعوة للمثالية والإيثار والبعد عن العدوانية والسلبية.

كل ذلك مدعاة لأن نقف وقفة جادة في تقييم صلاتنا من هذا المنطلق الإيماني للخروج بصلاة تبرأ بها ذممنا من جهة وبصلاة لها تأثيراتها الإيجابية على حياتنا وسلوكنا وعلاقاتنا وإيماننا من جهة أخرى.

إذا الأمر يحتاج إلى أن نفزع إلى الصلاة كما هو نهج النبي المصطفى وللتأكيد على هذا الأمر المهم سأورد مقتطفات من كلام لعلمين من أعلام الأمة هما سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول الشيخ ابن باز: فغير خاف على الجميع شأن الصلاة في الإسلام، إذ هي عموده، بها يستقيم دين المسلم، وتصلح أعماله، ويعتدل سلوكه في شؤون دينه ودنياه، متى أقيمت على الوجه المشروع عقيدة وعبادة، وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما لها من خاصية، قال الله عنها في محكم التنزيل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}، وقال: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} وكما أن هذا شأنها، فهي أيضا مطهرة لأدران الذنوب ماحية للخطايا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا (متفق عليه).

فحري بالمسلم تجاه فريضة هذا شأنها ألا يفرط فيها، كيف وهي الصلة بينه وبين ربه تعالى، كما أنها جديرة بالتفقه في أحكامها، وغير ذلكم مما شرع الله فيها، حتى يؤديها المؤمن بغاية الخشوع والإحسان والطمأنينة ظاهرا وباطنا. فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله. رواه مسلم.

فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله في أموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة، أن تقيموها محافظين عليها وحافظين لها عما يبطلها أو ينقص كمالها، من تأخير لها عن أوقاتها الفاضلة من غير عذر شرعي، أو التثاقل عن أدائها جماعة في المساجد، أو الإتيان فيها بما يذهب الخشوع ويلهي القلوب عن استحضار عظمة من تقفون بين يديه تعالى، وتدبر لكلامه وذكره ومناجاته جل شأنه، من نحو تشاغل في أمور خارجة عنها، أو حركات غير مشروعة فيها، كالذي يحدث من البعض عبثا، ومن تعديل لباسه من غترة وعقال، ونظر إلى الساعة، أو تسريح شعر لحية بعد الإحرام بها. كل هذا مما ينافي الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وسبب قبولها. وتحذيرا من مثل هذا جاء الحديث: إن الرجل ليقوم في الصلاة ولا يكتب له منها إلا نصفها، إلى أن قال: إلا عشرها. رواه أبو داود بإسناد جيد.

فعلى الجميع عامة، وعلى الأئمة خاصة أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في أحكام الصلاة، وأن يكونوا قدوة حسنة في إقامة هذه الشعيرة العظيمة؛ لأنه يقتدي بهم المأمومون، ويتعلم منهم الجاهل والصغير، وربما ظن البعض من العامة أن ما يفعله الإمام ولو كان خلاف السنة أنه سنة، ولا سيما بعض المسلمين الوافدين من بعض البلدان الخارجية، ممن لا يعرف أحكام الصلاة على الوجه المشروع، كما أن مما تساهل فيه بعض الأئمة وبعض المأمومين العناية بتسوية الصفوف واستقامتها، والتراص فيها، وهو أمر يخشى منه؛ للوعيد الوارد، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. رواه مسلم.

وفي المتفق عليه: لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة. متفق عليه. فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على تسوية الصفوف، والحث على المحافظة على أداء الصلوات في المساجد جماعة، كما درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان سلفا وخلفا، وفي ذلك الأجر العظيم من الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح. متفق عليه.

وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة. رواه مسلم.

وإذا علم هذا، فمما يجب الحذر منه ظاهرة التثاقل من البعض عن صلاة العشاء وصلاة الفجر في المساجد جماعة، وهي عادة خطيرة؛ لأنها من صفات المنافقين لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. فلا عذر ولا رخصة دونما عذر شرعي لمن سمع النداء فلم يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، واستأذنه رجل أعمى ليس له قائد يلازمه هل له رخصة أن يصلي في بيته، قال صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب.

وفي رواية أخرى قال: لا أجد لك رخصة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. رواه مسلم.

ويقول الشيخ بن عثيمين:

جدير بمن اتصل بربه أن يخرج من صلاته بقلب غير القلب الذي دخلها فيه أن يخرج منها مملوءا قلبه فرحا وسرورا وإنابة إلى ربه وإيمانا، ولذلك كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب منها من النور والإيمان والإنابة، جدير بمن عرف حقيقة الصلاة وفائدتها وثمراتها أن تكون أكبر همه وأن يكون منتظرا لها مشتاقا إليها ينتظر تلك الساعة بغاية الشوق حتى إذا بلغها ظفر بمطلوبه واتصل اتصالا كاملا بمحبوبه.

إن كثيرا من المصلين لا يعرفون فائدة الصلاة حقيقة ولا يقدرونها حق قدرها ولذلك ثقلت الصلاة عليهم ولم تكن قرة لأعينهم ولا راحة لأنفسهم ولا نورا لقلوبهم نرى كثيرا منهم ينقرون الصلاة نقر الغراب لا يطمئنون فيها ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا، وهؤلاء لا صلاة لهم ولو صلوا ألف مرة لأن الطمأنينة في الصلاة ركن من أركانها ولذلك قال النبي للرجل الذي كان لا يطمئن في صلاته: (ارجع فصل فإنك لم تصل) فصلى عدة مرات وكل مرة يقول له النبي ارجع فصل فإنك لم تصل حتى علمه النبي وأمره بالطمأنينة.

وتجد كثيرا من الناس إن لم يكن أكثر الناس يصلي بجسمه لا بقلبه، جسمه في المصلى وقلبه في كل واد فليس في قلبه خشوع لأنه يجول ويفكر في كل شيء حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها وهذا ينقص الصلاة نقصا كبيرا، وهو الذي يجعلها قليلة الفائدة للقلب بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته وهي لم تزده إيمانا ولا نورا، وقد فشا هذا الأمر أعني الهواجيس في الصلاة، ولكن الذي يعين على إزالته هو أن يفتقر العبد إلى ربه ويسأله دائما أن يعينه على إحسان العمل وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة أنه سيقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه ويعلم ما توسوس به نفسه وأن يعتقد بأنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه وإن أعرض أعرض الله عنه، وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها هو الخشوع فيها وحضور القلب وأن الصلاة بلا خشوع القلب كالجسم بلا روح وكالقشور بلا لب.

إذا هذا كلام الشيخين مدعوما بكلام الله الذي نصلي له تذللا وبكلام رسوله الذي نصلي عليه محبة فهل نفزع إلى الصلاة استجابة ومحبة وطمعا؟.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد