Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/10/2008 G Issue 13167
الخميس 17 شوال 1429   العدد  13167
من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين
أ. د. عبدالكريم محمد الأسعد

جمع الأنباري في كتابه (الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين) طائفة من مسائل الخلاف بين الفريقين، وذكر أنّ من الخلاف ما يرجع إلى العامل، ومنها ما يرجع إلى الإعراب والبناء، ومنها ما يرجع إلى الحقيقة اللغوية لبعض الكلمات، ومنها ما يرجع إلى التقديم والتأخير في كلمات الجملة، ومنها ما يرجع إلى النواحي الإعرابية والصرفية، ومن هذه المسائل:

- ذهاب الكوفيين إلى أنَّ السّين التي تدخل على الفعل الدالّ على المستقبل نحو سأفعل أصلها سوف في حين ذهب البصريون إلى أنها أصل بنفسها، وقد دلّل الكوفيون على رأيهم بثلاثة أمور:

أ) أنّ السبب كثرة استعمال سوف في كلام العرب وأنهم يحذفون لهذا السبب وقد فعلوا ذلك كثيراً مثل (لم يَكُ وخُذْ وكُلْ) التي أصلها (لم يكن وأُؤْخُذوا أُؤْكُل) فكذلك في سوف حذفوا منها الواو والفاء تخفيفاً لماّ كثر استعمالها في كلامهم.

ب) أنه قد صح عن العرب أنهم قالوا في (سوف أفعل) (سَوْ أفْعَل) فحذفوا الفاء ومنهم من قال (سَفَ أفْعلَ) فحذف الواو، وإذا جاز أن نحذف الواو تارة والفاء أخرى لكثرة الاستعمال جاز أن يجمع بينهما في الحذف لكثرة الاستعمال أيضاً.

ج) أنّ السّين تدل على ما تدل عليه سوف من الاستقبال فلما شابهتها في اللفظ والمعنى دل على أنها مأخوذة منها وفرع عليها.

وإن هذه الأدلة الثلاثة تعني تأثر كلمات اللغة عند الكوفيين بعوامل التطور من خلال كثرة دورانها على الألسنة، خلافاً للبصريين الذي قدموا تحكيم الأصول والقواعد على الجريان اللغوي، ودللوا على مذهبهم بأدلة متأثرة بالمنطق حين ذهبوا إلى أنّ الأصل في كل حرف يدل على معنى أن لا يدخله الحذف وأن يكون أصلاً في نفسه، والسين حرف يدل على معنى فينبغي له أن يكون أصلاً برأسه غير مأخوذ من (سوف) ولا مقتطع منها لأن الأصل عدم الاقتطاع والحذف.

- وذهاب جمهور الكوفيين إلى أنّ عامل النصب في المفعول به هو الفعل والفاعل جميعاً، وذهاب البصريين إلى أنّ الفعل وحده هو العامل في الفاعل والمفعول به معاً، أي هو عامل الرّفع في الأول وعامل النصب في الثاني، وذهاب بعض الكوفيين إلى أنّ العامل في الفاعل هو الفعل وأن العامل في المفعول به هو الفاعل، وذهب أبو الحسن عليّ الأحمر الكوفي إلى أنّ عامل النصب في المفعول به هو معنى المفعولية وأن عامل الرفع في الفاعل معنى الفاعلية، وهذا يعني أنّ العامل عند الجميع - ما عدا الأحمر - هو عامل لفظي وأنه عند الأحمر عامل معنويّ، وحجج جمهور الكوفيين هي أنه لا يكون مفعول به إلا بعد فاعل وفعل فيكون عامل النصب في المفعول به هو الفعل والفاعل معاً، وأنه لو كان الفعل وحده هو عامل النصب في المفعول به كما يقول البصريون لكان يجب أن يليه المفعول به مباشرة وأن لا يفصل بينهما بأي فاصل، وأن الفعل والفاعل بمنزلة الشيء الواحد بدليل أن علامة الإعراب في الأفعال الخمسة تقع بعد الفاعل ولولا أنّ الفاعل بمنزلة حرف من الفعل نفسه لما جاز أن يقع إعراب الفعل بعد الفاعل، وأن الفعل الماضي يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير الفاعل نحو (ضربت) كراهة اجتماع أربع حركات متواليات فما هو كالكلمة الواحدة، ولولا أنّ ضمير الفاعل بمنزلة حرف من الفعل نفسه لما سكّنت لام الفعل لأجله، أما الفاعل فهو اسم والأصل في الأسماء أن لا تعمل عند الفريقين، وهو حين اقترن بالفعل على أنه فاعل له ما زال باقياً على أصله في الاسمية فوجب أن لا يكون له تأثير في العمل، وأن ارتباط ما لا تأثير له في العمل وهو الفاعل مع ما له تأثير في العمل وهو الفعل واجتماعهما معاً في تركيب واحد ينبغي أن لا يكون له تأثير في إعمال الفاعل كالفعل ومعه في المفعول به على ما يقوله جمهور الكوفيين.

أستاذ سابق في الجامعة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد