الجدل مستمر بين من يقول بضرورة اعتماد الحساب الفلكي لدخول الشهور وبين من يقول بالاكتفاء بالرؤية حسب ما وردت به النصوص الشرعية.
وفي العدد (13158) من صحيفة الجزيرة الغراء طالب د. سعد القويعي بأهمية الاستماع إلى كلام علماء الفلك في دخول الشهر وخروجه والاستفادة من هذا العلم.
لكن يحق لي كقارئ أن أستدرك على كاتبنا وهذا حق تكفله لقرائها جريدتنا: (الجزيرة)، فمما أستدركه:
أولاً: ليس ما يُوحد المسلمين هو توحيد دخول الشهر وخروجه وأيام العيد فالشقاق والنزاع بين بعض المسلمين وللأسف الشديد أكبر من هذا، ثم إن اختلفنا في مثل هذا هل سبب مشاكل المسلمين هو الاختلاف بين بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف في الصيام والعيد؟ الجواب: لا.
وهذا يُذكِّرنا بقصة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله- مع أحد الإخوة العرب حينما بحث معه هذا الموضوع فقال: الفروق بين الإخوة المسلمين أكبر من هذا.
ثانياً: على هذا المبدأ الذي نادى به أمين منظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلي ونقله عنه مؤيداً كاتبنا، لماذا لا نوحد صلاة الكسوف والخسوف حينما يحدث في أي بلد إسلامي؟! لن أترك الجواب في الأذهان فأقول: إن مطالع الهلال تختلف من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى فيختلف دخول الشهر وخروجه والكسوف والخسوف وهذا متقرر شرعاً وواقعاً فإن توحدنا بالعيد يجب أن نتوحد بالكسوف ولا قائل بهذا قديماً ولا حديثاً.
ثالثاً: ورد عند أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون والحج يوم تحجون...) فلماذا التشكيك في صوم عام أو أعوام مضت واعتقاد أن من رأى الهلال قد رأى طائرة أو مركبة أو قمراً صناعياً... وما شابه، وهذه احتمالات باردة لا تنهض أمام شهادة محققة، وللشيخ عبد الله بن منيع - وفقه الله- محاولة في التوسط في الموضوع وأمثال الشيخ من العلماء من الممكن أن يتباحثوا مع الفلكيين باستصحاب الأدلة الشرعية، أما مسألة استخدام التلسكوب فهذا مما أجازه علماؤنا.
رابعاً: المتخصصون في علم الفلك اختلفوا هذا العام في خروج الشهر فهل نختلف معهم؟ أم نقول وحّدوا آراءكم ليتسنى لعلمائنا بحث النازلة معكم.
خامساً: ما نقله الكاتب عن بعض العلماء السابقين واللاحقين في مسألة اعتبار الحساب الفلكي في حالة النفي ورد الشهادة برؤية الهلال قبل ولادة وقبل غروب الشمس.. لي عليه تحفظ من ناحية النقل فابن تيمية يقول في (رسالة الهلال) ضمن الفتاوى: إن أهل الحساب مختلفون فيما بينهم، ثم ذكر في مقدمة الرسالة أن سبب كتابتها ما يقوله أهل الحساب من أن الهلال يُرى أو لا يُرى وأن بعض القضاة رد شهادة العدد العدول بقول الحاسب فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه (25-13).
في موضع آخر من نفس الرسالة يقول عن حديث (الشهر ثلاثون وتسع وعشرون): المراد أننا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب إذ هو تارة كذلك وتارة كذلك والفارق بينهما الرؤية.. فإن أرباب الكتاب والحساب لا يقدرون على أن يضبطوا الرؤية بضبط مستمر وإنما يقربون فيصيبون تارة ويخطئون أخرى.. (ص173).
وقال: أعلم أن المحققين من أهل الحساب متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم أنه يُرى لا محالة ولا يُرى البتة على وجه مطرد وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات.. (ص183).
ولست أنا ممن يعتد بقوله في موارد النزاع لكن أرى أنني لست محجوباً عن استدراك ما أراه مخلاً ببعض جوانب القضية.
عبد الله بن عبد العزيز الحميدة
بريدة - ص.ب: 3155
aahh256@hotmail.com